ثنائي كان من المفترض به أن يضم اثنين فقط، فشمل ثلاثة وأربعة وخمسة... وأحياناً أكثر بكثير. رجل الثنائي، جون كينيدي الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية، البطل الذكوري. وامرأة الثنائي "هي" نساء كثيرات، اختُصرن باثنتين مشهورتين إشتركتا في عقدة افتقاد الأب، وشغلتا وسائل الإعلام عشرات السنوات بعد موتهما. الأولى هي جاكلين بوفييه كينيدي، الزوجة الشرعية الأنيقة والرصينة... والثانية هي الممثلة مارلين مونرو، شاغلة كل رجال العالم بإغرائها وغنجها ودلالها. يعرّض البعوض للموت ولد جون فيتزجيرالد كينيدي العام 1917 في عائلة كينيدي الإيرلندية المعروفة والغنية، بين 9 أولاد 4 صبيان و5 بنات. وعانى صحة متعثرة أدت مرضه طويلاً، ما جعل كل أشقائه يسخرون منه بتودد قائلين: "ان البعوضة التي تعضّه تتعرض لخطر الموت، نظراً إلى كمية الفيروسات الموجودة في دمه". ولم يبرع جون أو جاك، كما يسميه الجميع، في المدرسة على رغم نضوجه الذهني مراهقاً حيث كان مشتركاً في صحيفة "نيويورك تايمز" اليومية... لكنه برع في علاقاته النسائية منذ ذلك العمر. إلا إن الحرب العالمية الثانية قلبت كل الموازين ودفعت بجون الى وراثة طموح أخيه السياسي بعدما قتل في خلالها. فأقنعه والده بالترشح لمنصب ممثل مقاطعة ماساشوستس في الكونغرس. لقاء في بداية الطريق كان لقاء العاشقين جون ومارلين في بداية طريق كل منهما، هو سياسي مغمور يهدف لأن يكون سيناتورا،ً وهي في عمر العشرين، ذات جمال أخاذ، تتطلع إلى هوليوود من دون أن تقتنع بأنها ستصل إليها يوماً ما. عاشت طفولة صعبة وعانت افتقاد الأب الذي هجرها طفلة... والأم التي أصيبت بخلل في أعصابها وعاشت في مستشفى للأمراض العقلية. فأمضت السنوات العشر الأولى من عمرها في ميتم في لوس أنجليس قبل أن تنتقل إلى كنف عائلة إحتضنتها. ولم تكد تبلغ السادسة عشرة حتى تزوجت هرباً من وضعها الراهن، ثم تركت زوجها بعدما بدأ جمالها يعبّد لها طريق الشهرة. وما لبثت أن التقت جون كينيدي في خلال حفلة نظمها أحد أصدقائه وانجذبا فوراً الى بعضهما بعضاً وأمضيا معاً تلك الليلة. وتابع كل منهما طريقه المهنية بنجاح مع بقاء علاقتهما صامدة... كما العلاقات الجانبية التي كان يقيمها جون. فكان يتصل بعشيقتين أو ثلاث يومياً على رغم جدول أعماله المكثف. أما مارلين فتحولت نجمة الإغراء في العالم بأسره واستمرت تبحث عن صورة الرجل القوي الذي قد يمثل والدها المجهول. تزوجت من نجم "البيز بول" الأميركي وطلقته بعد سنتين. ثم تزوجت الكاتب آرثور ميلر معتقدة أن إحساسه المرهف سيعوض عليها الحنان الذي تفتقده... السيناتور يتزوج وأصبح جون سيناتوراً في مجلس الشيوخ الأميركي العام 1952 ورأى وجوب الاستقرار في الزواج خدمة لصورته السياسية. فوقع اختياره في سن السادسة والثلاثين على الصحافية في ال"واشنطن- تايمز هيرالد" جاكلين بوفييه، إبنة الرابعة والعشرين، التي صدّته على عكس كل الفتيات وجعلته "يركض وراءها". صبية سمراء رياضية، تهوى ركوب الخيل مذ كانت في الثالثة من عمرها وتعاني عقدة طلاق والديها عندما كانت في العاشرة من عمرها. إلا أن آمال جاكي باءت كلها بالفشل. فلا والدها أتى ليرافقها إلى الكنيسة يوم زفافها لأنه كان ثملاً، ولا عائلة كينيدي احتضنتها لأنها رعت مصالح افرادها فقط وليس "الدخلاء"، ولا جون حل محل الأب وكان مصدر ثقة لزوجته الصغيرة. وبقيت جاكي إلى جانب زوجها في مهماته السياسية التي استنفدت كل أوقات فراغه وعطل نهاية الأسبوع، فرعت ابنتهما البكر كارولين واضطرت في ما بعد إلى تركه يسافر وحيداً لخوض حملته الرئاسية نظراً إلى حملها الثاني. واستغل عودته عازباً لخوض مغامرات نسائية عدة على رغم تحوله أباً للمرة الثانية. وتابع علاقته بمارلين مونرو التي كانت تأتي إليه متنكرة. واستمرت لقاءاتهما حتى في الزيارات الرسمية للمقاطعات الأميركية حيث كانت توافيه مارلين فور علمها أن جاكي "الصنم" كما كانت تسميها، لم تأت معه. هددت بفضح أمرهما ومع تصاعد نجم "الرئيس جون"، بدأت مارلين تشعر بأنها ستخسره. كانت تغار من جاكي، زوجته الرسمية التي تحتل المرتبة الأولى، ومن ولديه اللذين يذكرانها بأنها عاقر، ومن منصبه الرئاسي الذي يبعده منها. وباتت تعيش على المسكنات والشمبانيا. وتفاقم إرهاق أعصابها على رغم نجاحها المهني المتصاعد... إلى أن تركها زوجها. فغاصت أكثر في أوهامها وإدمانها المسكنات وبدأت تنزلق نحو طريق الاختلال الذهني، تتكلم يميناً ويساراً عن علاقتهما، مؤكدة أن جون سيطلق جاكي ليتزوجها. أما هو فلم يعد يلتقيها سوى في سانتا مونيكا بعيداً من خطر الإعلام خصوصاً أن عناصر ال"إف بي آي" حذروه من الفضيحة. ثم أبعد لقاءاتهما لأن حالها تفاقمت ... ولأنه وجد عشيقة جديدة هي الرسامة ماري بينكوت ماير. وعرف جون في قرارة نفسه أن الفراق لا بد من أن يتم حفاظاً على منصبه الرئاسي. فلم يردّ على اتصالات مارلين المتكررة، ولم يدعها أبداً إلى البيت الأبيض، إلا في حفلة عيد ميلاده الخامس والأربعين حيث غنت له أغنية "هابي بيرثداي سيدي الرئيس" المشهورة بصوتها المبحوح. فكانت الأغنية لحن الوداع بينهما... وداع جعله الرئيس رسمياً ونهائياً عندما أرسل شقيقه بوبي ليخبرها بالأمر. ففقدت أعصابها نهائياً وأغوت الشقيق الأصغر لعشيقها مقتنعة بأنه هو الذي سيتزوجها. وأخذت تمطره بالاتصالات اليومية إلى أن ابتلعت... أو أجبرت على ابتلاع، كمية كبيرة من المسكنات أودت بحياتها وأنقذت منصب الرئيس من الفضيحة. لكن الرئيس وعشيقته الأخيرة الرسامة، لم يُنقذا من قدرهما المحتم الذي جعلهما يُقتلان بفارق سنة بينهما: هو في دالاس بعد أقل من عام وثلاثة أشهر على موت مارلين، وماير في نيويورك أمام منزلها. والتقى الثلاثة حتى في الموت الغامض الذي لم يجد بعد تفسيراً مقنعاً له بعد عشرات السنين على حصوله: فهل مارلين انتحرت حقاً بالمسكنات، وهل الذي اغتال كينيدي هو حقاً معتوه، وهل الذي قتل ماري ماير أسكت مذكراتها إلى الأبد؟