اعتقلت اجهزة الأمن اليمنية عشرات الأشخاص، بينهم ستة على الأقل يشتبه في انتمائهم الى خلية من المتشددين الاسلاميين، ينتمي اليها قاتل الأطباء الاميركيين في مستشفى جبلة في محافظة إب الاثنين الماضي عابد عبدالرزاق الكامل، ويتزعمها قاتل جارالله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي. ووري جثمان جارالله عمر الثرى في "مقبرة الشهداء" في صنعاء أول من امس، بعد موكب تشييع، حاشد ضم عشرات الآلاف من المواطنين والقيادات الحزبية ومسؤولين في الحكومة وفاعليات جماهيرية، تعبيراً عن ادانة "الارهاب" وتقديراً لمكانة جارالله عمر، كزعيم سياسي ظل متميزاً على مدى العقود الثلاثة الماضية. أكدت ل"الحياة" مصادر متطابعة ان الاعتقالات طاولت عشرات ممن كانوا على علاقة قرابة أو صداقة أو من أي نوع مع القاتلين علي جارالله والكامل، وذلك لاستجوابهم بحثاً عن معلومات تهدف الى كشف الجهة الحقيقية التي ينتميان اليها واحباط أي خطط تخريبية ارهابية ضمن نشاطات هذه الخلية. ولفتت المصادر الى ان جميع الموقوفين لم توجه اليهم اتهامات محددة بعد، ومن المحتمل اطلاق معظمهم، بعد التأكد من سلامة موقفهم القانوني. وفيما تواصل النيابة العامة اليمنية تحقيقاتها مع القاتلين، تمهيداً لمحاكمتهما، نفى مصدر أمني يمني استجواب فريق تحقيق اميركي قاتل الأطباء الأميركيين. وقال ان التحقيق معه تتولاه اجهزة الأمن اليمنية والنيابة المختصة، مؤكداً ان الاميركيين الذين ارسلتهم سفارة الولاياتالمتحدة الى محافظة إب، اطلعوا على اجراءات الاجهزة الأمنية والنيابة، وأبدوا ارتياحاً كاملاً، ثم عادوا الى صنعاء. في الوقت ذاته أفادت صحيفة "26 سبتمبر" الحكومية امس ان تأخر تسلم اجهزة الأمن شريط الفيديو الذي سجله بعض قيادات "التجمع اليمني للاصلاح" وقيادات حزبية في المعارضة اثناء استجواب علي أحمد جارالله في منزل الشيخ عبدالله الأحمر زعيم "التجمع" رئيس مجلس النواب عقب اغتيال جارالله عمر. ولم يُسلم الشريط إلا الأربعاء، واعتبرت الصحيفة انه لو سلم باكراً لكان من شأنه الحؤول دون جريمة الاعتداء على البعثة الطبية الاميركية في جبلة الاثنين، أي بعد 48 ساعة على التحقيق مع علي جارالله. إذ لمح الأخير اثناء الحديث مع القيادات المعارضة، الى ان شيئاً ما يتوقع حدوثه في مدينة جبلة، وأبدى تذمره من عمل الأجانب وبعثات التبشير المسيحية في اليمن، وفوز العلمانيين الحزب الاشتراكي اليمني في دائرة جبلة الانتخابية عام 1997. ونسبت الصحيفة الى مصادر أمنية ان الشريط لو سلم فوراً الى أجهزة الأمن، لأمكن استكشاف النيات التي كان يضمرها قاتل جارالله عمر، أو الاستدلال على عناصر اخرى متورطة، خصوصاً ان القاتل ظل مصراً في اليوم الأول للتحقيق على ان جريمته عمل فردي يتحمل مسؤوليته وحده، وانه نتيجة لاقتناعه بأن الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي كان علمانياً دعا الى عدم تطبيق الشريعة الاسلامية. كما ذكر القاتل انه كان يستهدف قيادات اخرى في المعارضة اليمنية. ونسبت الصحيفة الى مصادر التحقيق مع علي أحمد جارالله انه كان يخطط مع قاتل الأطباء الاميركيين منذ فترة طويلة، لتنفيذ عمل ارهابي ضد "العلمانيين والمبشرين والاسماعيليين"، وأنه أخذ على عاتقه التخلص من العلمانيين، ووضع قائمة اغتيالات تشمل قادة أحزاب المعارضة وصحافيين وسياسيين. في حين كلف عابد الكامل عملية جبلة ضد الاجانب. وزار الاثنان المدينةمرات للتخطيط للعملية. كما اعترف بعملية اخرى كان يخطط لها مع شخص ثالث، تستهدف مجمعاً سكنياً في منطقة حدة في العاصمة اليمنية، يعرف ب"الفيض الحاتمي"، وتقطنه مجموعة من الطلاب والزوار من طائفة "البهره"، ولفتت الى اعتقال ذلك الشخص المكلف تنفيذ المهمة، وعناصر اخرى وردت اسماؤها في التحقيقات، وكانت على صلة بالقاتلين، علماً ان المتهم علي جارالله كشف في التحقيقات انه اعد أشرطة ورسائل أودعها لدى طالب في جامعة الايمان الاسلامية التي يديرها الشيخ عبدالمجيد الزنداني، أحد أبرز قياديي "تجمع الاصلاح"، رئيس مجلس الشورى فيه. والطالب في السنة الثالثة في الجامعة، وكلفه علي جارالله توزيع الأشرطة والرسائل على أشخاص حددت اسماؤهم لتنفيذ الاغتيالات وانجاز المهمات "الجهادية" في الداخل. الى ذلك، اكدت ل"الحياة" مصادر مطلعة ان الرئيس علي عبدالله صالح يدعم بقوة توجهات حكومية باعادة ترتيب أوضاع الاجهزة الأمنية اليمنية في صورة شاملة، واحداث تغييرات واسعة، تتضمن ابعاد من وصفتهم المصادر بالعناصر "الدخيلة" على اجهزة الأمن، وغير المؤهلة تأهيلاً كاملاً لمواكبة الاجراءات الأمنية الاستثنائية للحكومة، والمتعلقة بمواجهة "الارهاب" ومحاربة التطرف الديني والقضاء على الخلايا المتشددة. وزادت المصادر ان الحكومة عازمة على اجتثاث الارهاب وكشف جميع المتورطين بعلاقات مشبوهة مع بعض المطلوبين في قضايا أمنية ذات صلة بالارهاب، ممن وصفتهم بقيادات حزبية واحزاب سياسية "كي يكون الشعب اليمني على معرفة كاملة بجهود الحكومة وسلامة اجراءاتها في تحمل مسؤولية حماية البلد والذود عن أمنه وسلامته من أي اخطار في الداخل أو آتية من الخارج". الى ذلك، أصدرت الأمانة العامة ل"ملتقى الحوار" بياناً دان اغتيال "المناضل العربي القومي جارالله عمر، عضو الأمانة العامة، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني". وشدد البيان الذي تلقته "الحياة" في لندن على أن جارالله عمر "ناضل من أجل بناء جبهة شعبية وطنية ديموقراطية واحدة مناهضة للامبريالية والصهيونية والعنف والارهاب، وسعى الى بناء يمن جديد تسوده الرفاهية والوئام والتقدم". ودعا البيان "القوى اليمنية الحية" الى "ان تحافظ على وحدتها وتحمي منجزات العمل الوطني الوحدوي بأرواحها ودحض الخطط الشريرة التي ترمي الى تجريد الوحدة الوطنية".