استطلعت "الحياة" آراء عدد من اختصاصيي علوم الاجتماع والبيولوجيا في مصر، في الاستنساخ البشري، والمعلوم ان شركة "كلونيد" الكندية اعلنت عن نجاحها في استيلاد الطفلة "ايف"، او "حواء"، في اول عملية استنساخ بشر في التاريخ. وأثار الاعلان تشككاً علمياً، نظراً الى عدم وجود تاريخ علمي سابق للشركة في مثل هذا النوع من الاعمال. وزاد في التشكيك ان شركة "كلونيد" هي الذراع العلمية لطائفة الرائيليين، التي اسسها الصحافي الفرنسي-الكندي كلود فورلهون في التسعينات من القرن الماضي. وتؤمن هذه الفئة من الناس بمعتقدات خاصة، منها ان البشر هم من صنع كائنات فضائية استولدتهم بفضل علوم متقدمة مثل الاستنساخ! وتصاعد التشكيك بعد ان فشلت الشركة في تقديم ادلة علمية على نجاحها في ذلك الأمر. بدا معظم الخبراء المصريين مشككين في مزاعم "كلونيد". ونبهوا الى مخاطر تطبيق الاستنساخ باساليب مأخوذة من التطبيق على الحيوانات على البشر. والمعلوم ان "كلونيد" اعلنت انها استولدت "حواء" بطريقة نقل النواة Nuclear Transfer التي اكتشفت في استنساخ النعجة الاسكوتلندية "دوللي" 19997. والحال ان فريق استنساخ دوللي هو الاكثر تشكيكاً بمزاعم "كلونيد". استنساخ الاعضاء محبذ... وتشرح د.نجوى عبد المجيد، استاذة علم الوراثة في المركز القومي للبحوث، إن الاستنساخ يعني استخراج خلية جسم حية من الرجل أو من المرأة، ومن اي عضو مثل الثدي أو الجلد. ثم تنزع النواة التي تحمل كل الشفرات الوراثية الأساسية، من الخلية وتستخرج بويضة حية غير مخصبة من المرأة، أي امرأة، وتفرغ ويتم تفريغها من النواة مع الإبقاء على محتواها من الستيوبلازم Cytoplasm ، اي انها تصبح مجرد حاوية بيولوجية. ثم تدخل النواة في البويضة المفرغة، فتصبح البويضة بوضعها الجديد حاملة للصفات الوراثية لصاحب أو صاحبة الخلية الأولى من دون إخصاب أو تزاوج أو تلقيح أو حيوانات منوية. وبعد ذلك تحقن البويضة في رحم الأم، أي أم، لتنمو وتصبح جنيناً وطفلاً. "انها طريقة ناجحة نظريًا، ولكن الكائن المستولد يصبح عرضة لأمراض وراثية عدة. وربما ادت على المدى الطويل الى ظهور أمراض جديدة نادرة الحدوث.أما استنساخ الأعضاء البشرية فنحن نؤيده وسنستفيد منه في علاج أمراض مثل الفشل الكلوي والكبدي، لأن الخلية ستكون من جسم المريض نفسه وبالتالي سيتأقلم معها الجسم". وينبه د. أحمد مستجير، عالم الوراثة، الى ضرورة "الوعي بأن التشابه لن يكون كاملاً لأن الظروف البيئية المحيطة تلعب دورًا أساسيًا في السلوك البشري، وعليه لن يكون النسخ كالأصل تماماً في دورة الحياة والتاريخ والذكاء أيضًا". ويميل الى الاعتقاد بان "ايف" لن تمثل مشكلة لأنها توأم لأمها! "ريما تظهر مشكلات في حالات أخرى مثل ان تصاب الأم بالعقم فتستأجر بويضة امرأة أخرى ورحم امرأة أخرى لإكمال عملية النسخ، هنا نكون في مواجهة مشكلات الاستنساخ والرحم المستأجر والبويضة المستأجرة". ويشدد على أن النسخ يُعَدُّ "هجيناً لأنه يحمل الصفات الوراثية للخلية الأصلية للشخص المستنسخ منه، اضافة الى تأثيرات من المحيط الذي نما فيه"! لا استنساخ للزعماء ويشير د. سينوث حليم، وهو استاذ في علم الهرمونات، الى ان ما زعمته شركة "كلونيد" يأتي في إطار التقدم العلمي المذهل الذي نعيشه، و"نجاح عملية استنساخ الإنسان كان شيئاً متوقعًا، بعد استنساخ "دوللي". ويضيف ان الاستنساخ البشري يعد اعتداء على الحق الطبيعي للطفل في الحياة "سيخرج المستنسخ من دون أب أو أم، ومن الممكن استخدامه في تجارة الأعضاء لنقلها الى المرضى". ويؤكد أن الزعم باستنساخ الموتى كالزعماء السابقين، مستحيل لأن العملية لا بد أن تتم خلال 6 ساعات من الوفاة، فالحامض النووي يفسد في الخلية بعد 6 ساعات". ويرى د. خالد جابر رئيس وحدة الأجنة في المركز القومي للبحوث، إنه لم يثبت حتى الآن حدوث عملية استنساخ الطفلة، وربما يكون ذلك في إطار السباق العلمي المحموم بين مجموعات العلماء في أوروبا. ويعتقد أن ضمان وجود حياة طبيعية للكائن المُستنسَخ هو الشيء المستحيل، لانه "مستولد من من جانب واحد، والطفل المستنسخ سيكون نسخة من المستنسخ منه، لذا فإننا ندمر الحياة الطبيعية للإنسان وندمر مفهوم الأسرة الطبيعية وهو نواة المجتمعات الإنسانية". وترى إكرام عبد السلام رئيسة وحدة الوراثة الطبيعية في جامعة القاهرة، إن الاستنساخ موجود طبيعياً في التوائم المتماثلة الناتجة من انقسام بويضة واحدة. وتشير الى ان فكرة الاستنساخ ترجع الى العام 1952. "وحينها، أجريت التجارب على الضفادع واستمرت الأبحاث ونجحت في استنساخ الماشية... وأعتبر أن ذلك شيء علمي مفيد لأنه يؤدي إلى تحسين الصفات الوراثية للسلالات الحيوانية كالأبقار والأغنام... ويفيد في انتاج الأمصال والهرمونات والبروتينات اللازمة لعلاج بعض الأمراض مثل سيولة الدم الهيموفيليا وغيرها". وتشدد على ان تطبيق هذه الامور على الإنسان يندرج في اطار سوء استعمال فكرة الاستنساخ. "لقد فكر بعض العلماء في استنساخ جنين بشري كحل لمشكلة العقم وعدم القدرة على الإنجاب، إلا أن ذلك تصادم مع المعايير الأخلاقية والدينية... فالطفل المستنسخ سيكون توأمًا للأم أو للأب لأنه يأتي من خلية جسدية وليست تناسلية، بالإضافة إلى أن الاستنساخ من الخلية الجسدية من الممكن أن يؤدي إلى طفرات في الجينات الوراثية وحدوث تشوهات خلقية خطيرة". وترى د.نادية حليم، وهي اختصاصية في علم الاجتماع ان مناقشة قضية الاستنساخ في المجتمعات النامية تحتاج إلى وقفة متأنية قبل الادلاء برأي في خصوصها. وتوضح "نحن كمجتمع مصري نامٍ أمامنا الكثير من القضايا التي تحتاج إلى حلول نخرج بها عن إطار النمطية وبقرارات ثورية... لدينا من القضايا الملحة مثل القضية السكانية ما تتراجع أمامها كثيرًا جدًا قضية الاستنساخ البشري". وتنبه الى ان استيلاد طفل خارج العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة يهز ثوابت لا يعلم أحد عواقبها في المستقبل، ولا إلى أين تصل من بلبلة فكرية. وفي المقابل، ترى أنه لا بد من التأني قبل إطلاق الأحكام على قضية استنساخ الطفلة "إي÷" حتى نعرف أبعادها ومحاذيرها، ونبدأ في تكوين آراء على اساس من المعلومات الدقيقة.