تحدث محمد عمارة في مواضيع عدة من كتبه عن حركة الاخوان المسلمين ودور الشيخ حسن البنا مؤسسها. واخترت للقارئ بعض ما قاله في كتابه "التراث في ضوء العقل" بيروت، 1980 في معرض حديثه عن محاولات تجديد الاسلام عندما تعددت التيارات، والتي كما يقول عمارة: "استهدفت هدفين رئىسيين، اولهما: تجديد الاسلام عندما تعددت التيارات، باعتباره السبيل لاخراج الأمة من ظلمات العصور الوسطى الى نور العصر الحديث. وثانيهما: التسلح بطاقات التجديد والبعث والاحياء الاسلامي في الصراع ضد الهجمة الاستعمارية الاوروبية الحديثة على ديار العروبة والاسلام". وخصّ عمارة حركة الاخوان بالحديث فقال: 1- إن جماعة الاخوان المسلمين، كحركة اصلاح اسلامي، لم يكن الاسلام عندها هو اسلام اهل المؤسسات الدينية التقليدية، اولئك الذين ظلوا واقفين عند "المتون" و"الحواشي" التي اثمرها عصر المماليك والعثمانيين. بل تقدمت هذه الجماعة فتجاوزت فهم اهل هذه المؤسسات للاسلام. 2- لم يكن "الاخوان" على مستوى فكر حركة "الجامعة الاسلامية" عمقاً وجرأة وحسماً ورقياً وعقلانية، ولم يتواضعوا الى المستوى الذي وقفت عنده التيارات الاسلامية التي نشأت في البيئات البدوية، فلاءم فكرها بساطتها، وذلك لنشأة "الاخوان المسلمين" في مجتمع بلغ من التحضر والرقي شأواً بعيداً... فكان - أي الاخوان - ان وقفوا - فكرياً - بين بين!... فلا هم بلغوا عقلانية تيار "الجامعة الاسلامية"، كما صاغه الافغاني ومحمد عبده، ولا هم وقفوا عند بساطة الفكر في التيارات الاسلامية للبيئة البدوية، فكانت وسطيتهم التي تميزوا بها بين تيارات حركة اليقظة الاسلامية في عصرنا الحديث! ص177-178. تحدث محمد عمارة مرة اخرى عن الاخوان المسلمين بعد تسع سنوات من نشر كتابه المذكور، وذلك عندما اجرى معه مجدي رياض مقابلة مطولة نشرها عام 1989 في بيروت ايضاً في كتاب عنوانه "رحلة في عالم الدكتور محمد عمارة"، تحدث عمارة بشيء من التفصيل عن نفوره الشخصي من حركة الاخوان وأسباب ابتعاده عنهم منذ البداية، خصوصاً مع بداية اتساع نشاطه السياسي في المرحلة الثانوية في المعهد الديني في طنطا عامي 1950 و1951، وكان خلالها عضواً في حزب "مصر الفتاة". يقول في المقابلة: "في هذه الفترة تعرفت على التيارات السياسية الاخرى غير "مصر الفتاة"، وما هو لافت للنظر عندما قررت الدخول في "مصر الفتاة" والاستمرار فيه كان لدي بعض التردد. هل المكان الطبيعي لي هو "مصر الفتاة" ام "الاخوان المسلمون"؟ ولأنني من الذين يأخذون الامور مأخذ الجد فلقد بلغ الامر بي الى الحد الذي ارى فيه الاحلام والمنامات حول هذه القضية، فأرى الشيخ حسن البنا في المنام، وأرى احمد حسين - مؤسس حزب "مصر الفتاة" - في المنام. ويدور الحوار حول ايهما اجدى وأيهما انفع وأصح؟ الطريق التي تسير فيه "مصر الفتاة" ام الاخوان المسلمون؟ والذي رجح كفة "مصر الفتاة" انني في علاقاتي مع الطلاب المسلمين نفرني منهم ضيق الافق، ومنعهم الطلاب الذين ينتمون للاخوان من قراءة اي كتب اخرى غير كتب الاخوان، فكان هذا الموقف مستفزاً لي، لأنني اكنت عاشقاً للفكر والثقافة، اقرأ كل ألوان الفكر وكل ألوان الثقافة، فرفضت تضييقهم لنطاق التثقيف والاطلاع لمن ينتمي اليهم". ولكن، الى جانب المسائل الفكرية، تسببت مسلكيات اخرى في نفور عمارة من حركة الاخوان. يقول: "كانت هناك ممارسات عملية للاخوان المسلمين تكشف عن اهمالهم الجانب الاجتماعي، فأنا اذكر على سبيل المثال حادثاً وقع لي في هذه الفترة. فقد كان لي صديق في قرية صندلة في محافظة كفر الشيخ، وكانت هذه القرية تقع تحت سيطرة العمدة، وهو واحد من مشايخ العرب يملك آلافاً من الأفدنة، وقد خطب صديقي في مسجد القرية بعد صلاة الجمعة ضد الاقطاع وممارساته، وكان العمدة المستبد يريد ان يغلق شارعاً في القرية ليمنع مرور الناس. ورفع اهل القرية قضية امام القضاء وتحمست لهم انا وصديقي. وبدأنا نبحث عن سند يقف مع الفلاحين ونحن طلاب ضد هذه الهيمنة الاقطاعية. بحثنا عن محام ولكن الامكانات المادية اعاقتنا. فذهبنا الى محامي الاخوان ولم تكن بيننا وبينهم علاقات فكرية او تنظيمية، لكن الاقطاعي ذهب الى مرشد الاخوان المسلمين وتبرع بمبلغ من المال للجماعة، فخذلنا محامو الجماعة في كفر الشيخ". والسؤال الذي لم يعد ملحاً الآن، كم دفع هذا "الاقطاعي" لمرشد الاخوان، في ذلك الزمان؟ * كاتب كويتي.