يظل الامام محمد عبده احد اهم رموز حركة الاصلاح والتجديد في الفكر الاسلامي ومدرسة لايجب ان نحيد عنها خاصة في ظل الظروف وملابسات الحياة المتراكمة وما شهدته الساحة الاسلامية من جدل محتدم حول خيارات المستقبل عبر القرن الماضي وحتي يومنا هذا ولئن كان الدكتور محمد عمارة المفكر الاسلامي واحد الرموز الاسلامية الحاضرة قد اغني المكتبة الاسلامية بالاعمال الكاملة للامام الغوص في فكر الامام بات مهما جدا في ظل اللغط الفكري وتجاذب التيارات في الساحة الاسلامية ما بين اقصي اليمين واقصي اليسار دونما البحث عن وسطية مقبولة لعل الماضي صنعها اكثر من الحاضر مثلما فعلت حركة الاحياء والتجديد التي قادها جمال الدين الافغاني وتلميذه الامام محمد عبده الذي استطاع أن يوجد نظرية لتعايش المسلمين مع العالم ، وكتب عن التغيير البطيء وليس الثورة العنيفة قصيرة الأمد ، وناقش الاختلاف باعتباره ضرورة للحياة بين البشر ، من هنا فهو مادة دائمة للقراءة في كل وقت ، ليس بغرض التكرار وإنما لإعادة طرح التساؤل عن أزمات لا يزال المسلمون يمرون بها حتى الآن . ضالة كل التيارات اختار القائمون علي معرض القاهرة الدولي للكتاب محمد عبده ليكون محور نقاش في فعاليات المعرض الثقافية عبر مشاركة عدد من المثقفين لمناقشة اعماله الكاملة والتي قام بتحقيقها والتقديم لها د. محمد عمارة ، شارك في الندوة كل من رئيس تحرير مجلة "الأهرام العربي" د.عبد العاطي محمد ، أستاذ الفلسفة الإسلامية د.علي مبروك ، الأكاديمي والباحث بالخطابة السياسية د. عماد عبد اللطيف، والباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط د. عمار علي حسن وأدارها د.مصطفى لبيب. رأى د. عمار علي حسن أن التيارات المختلفة وجدت ضالتها في فكر الإمام محمد عبده ؛ فمثلا مثقفو السلطة يمكن أن يجدوا لديه ما يبرر مسلكهم، كيف لا وهو المنادي بالتغيير من الداخل حيث استطاع إقناع السلطة السياسية أن تهتم بالتعليم وبالنخبة الفكرية الموجودة في المجتمع، فهو لم يكن منحازا إلى الشعب مثل عبد الله النديم ولكنه كان يؤمن أن التغيير يتم من خلال النخبة وليس من خلال العوام. لا تغيير بالعنف محمد عبده أيضا مغر للإخوان المسلمين – يواصل د. عمار – فهم لا يريدون التغيير بالعنيف، والشيخ حسن البنا كان ضد الثورات وكان يؤمن أن تغيير قواعد المجتمع وتأهيله لأن يتقبل فكرة الحكم الإسلامي هو الأمر الأصلح لتقبل الإخوان، كما يتفق مع فكر محمد عبده الجماعات السلفية الدعوية رغم اختلافها مع مضمونه، لكنها ترى في إيمانه بالإسلام كدعوة، وتاكيده أن أصول الإسلام أبعد ما تكون عن السياسة ما يتفق معهم . وفي نهج الإمام أيضا ما يرضي من يبحث عن تجاوز الفتنة الطائفية والإيمان بالحوار والتسامح، فحين كان مفتيا لمصر كان يستفتيه اليهود والنصارى كما يستفتيه المسلمون، كما أن له حوارات شهيرة مع المسيحين حول مسائل حيايتة. وبحسب د. عمار فإن الإمام محمد عبده لديه إجابة على التساؤلات التي نعاني منها حاليا , ففي خطاباته مع الأديب الروسي تولستوي أوضح أن الدين يؤمن بحرية التعبير والاختلاف ، كما رأى أن المثقف يبرز دوره ويتضح في ظل سلطة رشيدة لها مشروع واضح تجتذب به المثقف، لكن المثقف الثائر هو ما يجب أن يبرز في ظل سلطة مستبدة لا تحترم الثقافة ولا المثقفين. التجديد لدى محمد عبده واستهل د. عبد العاطي كلمته معتبرا أن الفضل في نزعات العقلانية التي تميز المصريين والوسطية والاجتهاد والتجديد والفريق الضخم من المجددين في العقود الاخيرة تعود لكتابات محمد عبده. وقال كانت فكرة الإمام محمد عبده الأساسية هى التجديد ، أو الفكرة التي تهتم بإيجاد منطقة وسط الصراع القائم بين تيارين كبيرين في القرن ال19 وهما تيار الجمود الذي ينظر للإسلام نظرة ضيقة ترفض الاجتهاد والتجديد، وتيار آخر يقابله هو التغريب الذي يروج لسيادة الفكر الغربي العلماني. استطاع محمد عبده أن يكون جسرا حقيقيا بين الغرب والمسلمين دون أن يجزع المسلم لانفتاحه على العصر، كما حرص الإمام محمد عبده على تصحيح العقيدة لدى المسلم بعيدا عن الغيبيات وأن يقدم الإسلام الصحيح، حيث كان واثقا أنه إذا نجح في فعل ذلك فمن السهل على المسلم أن يتناول أي قضية في الحياة دون خوف. ويستدرك عبد العاطى: لكن الإشكالية في منهج محمد عبده تكمن – فى أن مدرسة التجديد التي قدمت على يد محمد عبده رغم ايجابياتها العظيمة لم توظف اجتهاداته الضخمة في شكل تيار واضح له رموز وآليات ومفكرين يحملون خطابه ويتبنوه، ومن ثم تحول هذا الجهد العقلاني للإمام في نهاية المطاف إلى اجتهادات فردية، ومن ثم لم يستطع الإجابة كيف يكون الإسلام مواكبا للعصر؟. لماذا الآن؟ في كلمته تساءل د. عماد عبد اللطيف عن سر استدعاء الإمام محمد عبده في عصرنا هذا والحديث عنه، وأجاب أن ذلك يعود إلى الأزمة التي تشهدها الأمة والتفرق الذي أصبح يحيط بها وتغليب هوية الفرد على هوية المجتمع. وربما يعود السبب أيضا – في رأي د. عماد – بمناسبة الحديث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني ومن ثم فإن الحديث عن محمد عبده أمر واجب وحتمي بوصفه إصلاحي تجديدي ؛ فالإمام كان يرى أن مشروعه الإصلاحي لن يتم دون تطوير الفكر والدعوة إلى تحرره من السلف، والأمر الثاني هو إصلاح اللغة العربية وتطويرها سواء في المكاتبات الرسمية في الدولة أو المعاملات بين العوام. ويضيف: لم يقتصر دور محمد عبده على الإصلاح والتجديد فقط لكنه كان صاحب جهد في تأسيس منهج لتحقيق الكتب القديمة ؛ لأن العرب والمسلمين في ذلك الوقت لم يكونوا على اتصال بمصادر ثقافتهم الأولى، حيث لم يكن هناك اتصالا كافيا بالكتابات الأساسية في عصر الازدهار الإسلامي من القرن الثاني حتى القرن الخامس الهجري. ويؤكد أن الإمام حاول أن يقدم محاولة لتجديد الفكر العربي عبر الانفتاح على الثقافات الأخرى وهو الأمر الذي لم نستطع التعامل معه بشكل فعال لأننا نجهل فن التواصل مع الآخرين، فحتى حوارات الأديان كثير منها حوار مع النفس وليس مع الآخر، ومن هنا كان من المفيد استحضار فكر الإمام محمد عبده لنستطيع تقديم قناعاتنا وتصوراتنا الدينية بشكل أفضل لنتحاور. خطاب مأزوم " يجب أن يكون استدعاء الإمام من أجل التساؤل لا من أجل التكرار" هكذا استهل د. علي مبروك كلمته للحديث عن الإمام محمد عبده، ويضيف: لابد من الإقرار أن العرب في أزمة حقيقية كتلك التي سبق لهم أن دخلوا بها القرن ال20 و القرن ال19، فالأزمة هنا مفهوم قائم باستمرار لم تستطع محاولات المثقفين العرب أن تقدم حلولا ناجحة للخروج منها. إن خطاب الإمام نفسه لم يقدم حلولا لتلك الأزمات ذلك ليس فقط بسبب عدم إكساب أفكاره للطابع المؤسسي، لكن لأن الأزمة قائمة داخل خطاب الإمام نفسه، فهو خطاب قائم على بنية التجاور بين عوالم متناقضة لا يمكن لها أن تجتمع أبدا. فالخطاب يجمع متناقضات تحير القارئ، فأيهما نصدق؟ محمد عبده الذي يرى أن الخلاف قيمة مرذولة وسلبية أم محمد عبده الذي يتعامل مع الخلاف كقيمة طبيعية لابد من استعادتها والتركيز عليها. على القارئ أن يختار المفهوم الذي ينحاز إليه، ونجد أن القرن الماضي يؤكد أن القيمة الكبرى التي تم استقبالها من خطاب الإمام أنه قيمة مرذولة وليس بوصفه قيمة إيجابية لابد من تفعيلها، فالمسلمون أنفسهم لا يقبلون المسلم المختلف معه عقائديا ناهيك عن الاختلاف في الدين، إذن فالخلاف لا وجود له الآن. أيضا الإمام انحاز إلى التعليم بوصفه مخرج للأزمة، والآن بعد قرن من التوسع في التعليم بمصر والعالم العربي لا تزال الأزمة قائمة، لأن التعليم لم ينجح في إرساء العقل النقدي، فها نحن نرى المفكرون العرب يعيدون نفس حلول المسائل التي طرحها الإمام من قبل وكأن العقل العربي توقف عن التفكير لنظل في مكاننا الثابت وكأننا ندور في حلقة مفرغة لا نستطيع الخروج منها.