عندما كتبت عن "صقور" ادارة بوش، الصقور الحقيقيين مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، و"صقور" اسرائيل مثل بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل، وضعت ما أملك من معلومات عن مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس جانباً، فهي من الصقور في كثير من أفكارها السياسية، الاّ انها وقفت مرّة بعد مرّة الى جانب وزير الخارجية كولن باول، وهو رئيس جناح الحمائم، ثم ان الخبراء الباحثين والصحافيين الذين درسوا عملها كرّروا صفة توقفت عندها هي "سياسة القيم"، بمعنى ان الآنسة رايس تحاول ان توفّق في سياستها بين المبادئ، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان، والمصالح الأميركية. هذا جميل، الاّ ان الخطر فيه ان تكون رايس عضواً آخر في الجناح اليميني المتطرّف الذي يحاول ان يفرض "قيمه" على بقية شعوب الأرض. هناك أوجه شبه واختلاف مع أركان ادارة بوش الآخرين، في حياة رايس الشخصية والعامة. وكما سجّلت أسماء دور البحث المشتركة والعلاقات الشخصية بين "صقور" الصف الثاني من أنصار اسرائيل، فإنني وجدت وأنا أختار من المعلومات عن رايس انها تلتقي معهم من دون ان تكون منهم. وولفوفيتز وبيرل بدآ ديموقراطيين وتحوّلا الى الحزب الجمهوري لخدمة اسرائيل. ورايس بدأت ديموقراطية ثم أصبحت جمهورية، من دون ان تكون لاسرائيل علاقة بالأمر، فهي من الاباما حيث يفترض ان يكون الأسود ديموقراطياً. الاّ انها لم تكن سوداء تقليدية، فهي ووالداها لم يشاركوا بنشاط في حركة الحقوق المدنية، وعندما كبرت تحوّلت الى اليمين، أو الحزب الجمهوري، بالمفهوم الأميركي. وتظل طرق رايس تلتقي وتفترق بالمسؤولين الآخرين، فقد كان أستاذها في جامعة دنفر جوزف كوربل، والد مادلين أولبرايت، وهو علّمها العلاقات الدولية والدراسات السوفياتية، وأثار اهتمامها بالدول "الأسيرة" في أوروبا الشرقية. وكتبت في النهاية أطروحة عن تشيكوسلوفاكيا والعلاقة بين الحزب والجيش، وسيطرة موسكو عبر حلف وارسو. رايس منحت زمالة في مركز الأمن الدولي والحدّ من التسلّح في جامعة ستانفورد الراقية، فكانت أول امرأة زميلة في المركز، كما أصبحت بعد حوالى 20 سنة أول امرأة تعيّن مستشارة للأمن القومي. ووصلت رايس الى وظيفة أستاذة مدى الحياة في الجامعة، وشغلت ثاني منصب إداري فيها، واكتشف موهبتها برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأسبق، فعيّنها سنة 1989 مسؤولة عن الاتحاد السوفياتي في المجلس. وهي عادت الى ستانفورد سنة 1991 حيث تقاطعت طريقها هذه المرّة مع جورج شولتز، وزير الخارجية الأسبق، الذي قدّمها الى شركة شيفرون للنفط، فعملت فيها وأطلق اسمها على ناقلة نفط، وهكذا تكون اجتمعت مع بوش الأب والإبن وتشيني ورامسفيلد وغيرهم في العلاقة النفطية. في واشنطن، العلاقات أهم من القدرة، وفي حين ان قدرة رايس كبيرة، فإن علاقاتها أهمّ. وهي استطاعت في عملها الأول في مجلس الأمن القومي ان تصادق الرئيس جورج بوش الأب وزوجته برباره، على رغم ان وظيفتها لم تكن عليا، فكانا يدعوانها لزيارتهما في البيت الأبيض. واليوم أهمّ صفاتها قربها من الرئيس بوش الإبن، فهي تقدّم له تقريراً في الصباح، وتهاتفه مرات عدّة في اليوم، وتحضر الاجتماعات معه. كما انها تدعى الى كامب ديفيد لقضاء نهاية الأسبوع مع جورج ولورا بوش. وتدعى الى مزرعة الرئيس في كروفورد. هذه العلاقة الوثيقة غير متوافرة لأي مسؤول آخر في الإدارة، وهي تعوض عن أي نقص في قدرة رايس، فخبرتها الأساسية في الاتحاد السوفياتي، وهذا قضى غير مأسوف عليه، الاّ انها ليست من مستوى أكاديمي رفيع مثل هنري كيسنجر وزبغنيو بريجنسكي، ولا تزعم ذلك. اليوم يجمع الباحثون والخبراء في ظاهرة كوندوليزا رايس ان سياستها تقوم على "القيم". واذا كان هذا صحيحاً، فهو تطور إيجابي، لأنها عندما كتبت في فصلية "فورين افيرز"، في مطلع السنة ألفين، هاجمت ادارة كلينتون بحدّة ودعت الى الترويج للمصالح الأميركية حول العالم. وتمكن مقارنة ذلك المقال بوثيقة أصدرتها رايس عبر مجلس الأمن القومي في أيلول سبتمبر الماضي تحت عنوان "استراتيجية الأمن القومي: النموذج الأميركي صالح لكل البشر"، بناء على طلب الكونغرس. وتحدثت الوثيقة صراحة عن وجوب منع أي دولة منافسة من بناء قوة مساوية لقوة الولاياتالمتحدة أو التفوق عليها، وعن إضافة دول الى قائمة الخارجين على القانون، وشنّ حروب إجهاضية على دول أخرى، غير ان الأعذار التي قدّمت ضدّ العراق لم تكن أكاديمية، وإنما مبتذلة مثل ان نظامه وحشي، وهو كذلك الا انه ليس الوحيد، وأنه هدّد جيرانه ودفع لأسر الانتحاريين في الهجوم على الجامعة العبرية، وحاول قتل الرئيس "حاولوا قتل بابا". وهنا مشكلة "القيم" التي تبشّر بها رايس، فالديموقراطية وحقوق الإنسان قيم عامة لكل البشر، ولكن القيم الأخرى جدلية، وما يصلح للولايات المتحدة قد لا يصلح لغيرها، غير ان ما يشفع لكوندوليزا رايس انها يمينية عن قناعة وليس لخدمة اسرائيل، ولا مشكلة بالتالي في التعامل معها.