اتجهت أصابع الإتهام في الأيام الأخيرة من العام الماضي إلى "جامعة الإيمان الأهلية" في اليمن في قضيتي إغتيال الأمين العام المساعد للحزب الإشتراكي جار الله عمر ومقتل ثلاثة أطباء أميركيين وجرح رابع في مستشفى جبلة في محافظة إب. اذ بيّنت التحقيقات الأولية بحسب مصادر امنية يمنية، أن الجانيين في الحالين درسا أو يدرسان في جامعة الإيمان، وأنهما يحملان أفكاراً متطرفة تستند إلى ثقافة العنف والغلو. وكان من السهل الربط مجدداً بين الجامعة التي أسسها ويترأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح والشخصية الدينية المثيرة للجدل وبين الأفكار المتطرفة التي يحملها بعض الشباب اليمني. واستغرب الزنداني من جهته تركيز الإعلام الرسمي على أن علي أحمد جار الله مرتكب جريمة اغتيال جار الله عمر من طلاب "جامعة الإيمان" مع أنه لم يبق فيها غير سنة واحدة قبل ان يُفصل منها قبل سبعة أعوام، فيما هو خريج كلية الشريعة في جامعة صنعاء التي درس فيها أربع سنوات. ويقول مسؤول في وكالة شؤون الطلاب في "جامعة الإيمان" ان "بعض وسائل الإعلام تناول حادث الاغتيال بطريقة كيدية وأسلوب مغرض يؤدي إلى تزييف الحقائق وتشويه هذا الصرح العلمي الذي عرفه القاصي والداني بنشر العلم والخير والفضيلة، ونهجه الوسطي المعتدل، ومجانبة الغلو بكل صوره". وأكد أن الجاني ترك الجامعة لعدم اقتناعه بطريقتها وفصل بحسب اللوائح ولم تعد له أي صلة بالجامعة. وفي السياق نفسه نفت "جامعة الإيمان" أن يكون منفذ اغتيال الأميركيين الثلاثة من طلاب الجامعة أو أن يكون انتسب إليها في يوم من الأيام. ومع عدم استبعاد توظيف الأحداث سياسياً بين حزب "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم الذي جاءته فرصة ثمينة لقص ريش منافسه اللدود "التجمع اليمني للإصلاح" قبيل موعد الإنتخابات المقبلة، فإن "جامعة الإيمان" ظلت منذ نشأتها محوراً للجدل في الشارع اليمني. وتزامنت الإتهامات الحكومية مع تلميحات كانت الأقوى إلى تورط "التجمع اليمني للإصلاح" و"جامعة الإيمان" في إحتضان العناصر الإرهابية والمتطرفة. اذ اكد رئيس الوزراء عبدالقادر باجمال في تقرير قدمه إلى البرلمان أن نتائج التحريات والتحقيقات مع المتهمين في القضايا الإرهابية التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية "أثبتت أن هناك علاقة مباشرة لعناصر متطرفة منتمية لبعض الأحزاب السياسية مع عناصر منتمية الى تنظيم "القاعدة"، والتي اتضحت من خلال تشجيع بعض العناصر المنتمية ل"القاعدة" والعائدين الى اليمن على القيام بأعمال تخريبية وإرهابية والتحريض ضد الحكومة من منابر المساجد وإنشاء مكتبات في بعض المساجد تحتوي على كتب مغالية في المفاهيم الدينية وأشرطة تحريضية". واتهم باجمال قيادات في الأحزاب السياسية بعقد لقاءات مباشرة مع عناصر من "القاعدة" في محافظات لحج والبيضاء والحديدة ومأرب والجوف وصعدة وصنعاء، لافتاً إلى "التحريض وإصدار الفتاوى بمحاربة الأجانب خصوصاً الأميركيين بدعوى الجهاد ضد الكفار من خلال خطب المساجد والأشرطة والتعاميم، كما تبين من خلال التحقيقات مع المحتجزين بأن تلك الأعمال الإرهابية تأتي تنفيذاً لفتوى بعض مشايخ الدين المتطرفين". كما اتهم "قادة دينيين بدعوة شباب من جنسيات مختلفة الى اليمن لإلحاقهم بالمدارس والكليات الدينية وتلقي الفكر الديني المتطرف وعودتهم الى بلدانهم للتبشير بما يسمونه الصحوة الإسلامية ومقاومة الكفار والملحدين، فضلاً عن إيواء عناصر متطرفة من جنسيات عربية وصلت من أفغانستان"، مشيراً الى تمويل مالي لنشاط هذه الجماعات من قبل بعض المؤسسات الدينية والخيرية وبعض الشخصيات في الخارج. وتشير وثائق "جامعة الإيمان" أنها "أسست عام 1414ه 1995 على يد الشيخ عبدالمجيد الزنداني بمعاونة نخبة من علماء الأمة ومقرها في اليمن صنعاء وهي جامعة إسلامية شعبية عالمية غير ربحية وعضو في اتحاد الجامعات العربية معترف بها كجامعة متميزة". وتهدف الجامعة "إلى تخريج العلماء الأتقياء الربانيين من الجنسين القادرين على الاجتهاد والمؤهلين لحمل رسالة الإيمان في مختلف التخصصات قولاً وعملاً، وهي دعوة لسبر أغوار التخصصات العلمية المختلفة كما كان العلماء السلف ليكون المتخرج مجتهداً في تخصصه جامعاً للعلم بدينه والمعرفة بعصره قادراً على تقديم الحلول للمعضلات". وتضم الجامعة 26 قسماً علمياً في أربع كليات، ويقول القائمون عليها أنها تتميز بأقسام لم تسبقها إليها كثير من الجامعات التقليدية من قبل مثل أقسام: "التزكية" و"الإيمان" و"العلوم الكونية والإعجاز العلمي" و"الحسبة" و"الإعلام الإسلامي والاستشراق" و"السياسة والسياسة الشرعية". وتبلغ فترة الدراسة في الجامعة عشر سنوات بعد الثانوية العامة، ويدرس الطالب فيها كامل المنهج ويجاز فيه. ووفقاً لدليل الجامعة فإنها "لا تكلف الطالب أي أعباء أو رسوم مالية، بل توفر لطلابها جميع الوسائل المعينة على طلب العلم من الكتب الدراسية والمختبرات والحاسوب والتغذية والسكن المؤثث والرعاية الطبية والمواصلات والوسائل التعليمية". وتقوم الجامعة على مبدأ فصل الطالبات عن الطلاب وتنقل المحاضرات المشتركة دوائر تلفزيونية مغلقة، وتفتح "جامعة الإيمان" أبوابها لطلاب العلم من كل أنحاء العالم، ويؤكد القائمون عليها أن "الإقبال عليها كبير جداً ويتوقع أن يصل عدد طلابها مستقبلاً إلى ثمانية آلاف طالب وطالبة". وتعتمد الجامعة في تمويلها على "ما يقدمه أهل الإحسان من التبرعات والأوقاف والزكوات". ومنحت الجامعة أرضاً تقدر مساحتها بنحو 577 ألف متر مربع قرب جامعة صنعاء، وترغب، بحسب الوثائق، في إقامة مبانيها الجديدة عليها "وقد أعدت المخططات اللازمة لذلك وتتكون من 34 وحدة متكاملة وبدأت بالفعل بإنشاء وحدة إدارة الجامعة ووحدة سكن كبار العلماء، ووحدات موقتة جاهزة لسكن الطلاب، والمسجد الجامع وصالات المحاضرات وسكن الطالبات والمطعم". وتهدف الجامعة إلى "تقديم نموذج مختلف للدراسات الإسلامية يمزج بين المنهج النظري والنشاط الدعوي العملي، وتحاول التشديد على معاني الإيمان وأهميتها للفرد والمجتمع. ولقيت منذ اليوم الأول لها تأييد الحكومة اليمنية، اذ دعا الرئيس علي عبدالله صالح الذي وضع حجر أساسها إلى التبرع لها وتعهد دعمها مادياً ومعنوياً". ويشترط لقبول الطالب في "جامعة الإيمان" حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم على الأقل مع تزكية من اثنين من علماء المنطقة التي يعيش فيها الطالب. ويتولى التدريس فيها أساتذة من بلدان مختلفة من العالم الإسلامي خصوصاً من موريتانيا واليمن وسورية. أما الطلاب الذين يزيد عددهم على أربعة آلاف طالب فيأتون من المحافظات اليمنية المختلفة، خصوصاً النائية المحرومة من الخدمات مثل مأرب والجوف والمهرة. تبدأ الدراسة في الجامعة عادة عقب صلاة الفجر مباشرة حيث يتجمع الطلاب في حلقات لتسميع ما حفظوه من القرآن على يد طلاب آخرين أتموا حفظ القرآن من قبل واختارتهم الجامعة للقيام بهذا العمل نظير مكافأة مالية شهرية. ثم تبدأ المحاضرات بعد ذلك وتنتهي بصلاة الظهر. يدرس الطلاب في السنوات الأولى قبل مرحلة التخصص علوماً إسلامية عامة مثل التفسير والفقه والسيرة واللغة العربية وآدابها، ثم يبدأ التخصص بعد السنة الثالثة مع الاستمرار في دراسة العلوم الإسلامية الأساسية. ويتشابه المنهج الذي يدرسه الطلاب في ما يتعلق بالمواد الإسلامية مع غيره من المناهج في مختلف الجامعات الإسلامية كجامعة الأزهر في مصر والجامعة الإسلامية في باكستان والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا. غير أن ما يميز "جامعة الإيمان" اهتمامها الكبير بالجوانب التطبيقية العملية، فتخصص لذلك رحلات دعوية الى القرى والمدن اليمنية نهاية كل أسبوع ثم نهاية كل عام دراسي، ويتوقف نجاح الطالب على اجتيازه لهذه الرحلات بنجاح والتي يطلق عليها التطبيقات العملية. ويدرس في الجامعة إضافة الى الطلاب اليمنيين آخرون غير عرب من جنسيات مختلفة يربو عددهم على 350 طالباً خصوصاً أندونيسياوماليزيا وألبانيا والصومال. دخلت جامعة الإيمان وخصوصاً زعيمها الشيخ الزنداني الذي شغل منصب عضو مجلس الرئاسة اليمنية إبان حرب الإنفصال عام 1994 في معارك متعددة مع جهات حكومية وهيئات مدنية وصحافيين بسبب مواقف الشيخ التي يراها البعض متشددة. ومن أشهر هذه "المعارك" قضيته مع الصحافي الراحل عبدالله سعد رئيس تحرير صحيفة "الشورى" اذ نجح في الحصول على حكم بجلد الصحافي وشقيقه 100 جلدة بسبب مقالة طعنت في أخلاق الزنداني. وتعد شرائط الكاسيت والخطب الدينية احدى الوسائل التي يؤثر فيها الشيخ الزنداني على الشباب، اذ حدد كثيراً من المواقف التي يتبناها عدد من خطباء المساجد مثل الرؤية لقضية الوحدة وفتواه الشهيرة في إستباحة المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها الحزب الإشتراكي أثناء حرب الإنفصال وهو ما نفاه لاحقاً، فضلاً عن تصريحاته اللاذعة عن الوجود الأميركي في اليمن وإقامة قواعد عسكرية في جزيرة عبد الكوري وسقطرى. ورفض الزنداني نزع سلاح اليمنيين الأمر الذي رأت فيه القوى المدنية وبعض الأحزاب خطراً على مشروع التحديث الإجتماعي والسياسي، كما وجه إنتقادات لاذعة إلى الجهات الثقافية بسبب نشر رواية للأديب محمد عبدالولي بعنوان "صنعاء مدينة مفتوحة" تناولت في رأيه تطاولاً على المقدسات الدينية. ونتيجة لذلك تعرضت "جامعة الإيمان" لحملة كبرى أكثر من مرة وسط احتمالات بأن تتدخل السلطات اليمنية لإغلاق الجامعة التي يرى فيها البعض مفرخاً للتيارات المتشددة في اليمن. وحضت الصحف الرسمية اليمنية على إغلاق الجامعة بسبب تشكيلها "مجلس الإيمان" في أعقاب حملتها الضارية على الرواية التي وصفتها بالكفر والردة والإساءة إلى الدين الإسلامي، في اجتماع كبير حضره الكثير من شيوخ القبائل الذين يتشكل منهم مجلس شرف الجامعة. وبعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 خشيت إدارة الجامعة من استهدافها بعمل عسكري تحت ذريعة محاربة الإرهاب، فمنحت العاملين فيها إجازة مفتوحة لحين استجلاء حجم دائرة الانتقام الأميركية. غير أن الرئيس علي عبدالله صالح إتخذ موقفاً حاسماً وقوياً في الدفاع عن الجامعة عندما أكد في إجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى أن "جامعة الإيمان" جامعة يمنية ولا يمكن أن يسمح لأي كان بالإساءة إليها وأن لا علاقة لها بالإرهاب. وتصدر "جامعة الإيمان" موقعها على الإنترنت بكلمة للرئيس اليمني لدى وضعه حجر الأساس قال فيها: "الإيمان يمان والحكمة يمانية". كما تحرص على رصد شهادات جيدة فيها من قبل نخبة من كبار العلماء في العالم الإسلامي مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد الراشد والشيخ محمد إسماعيل العمراني دعوا فيها إلى المساهمة في دعم موازنتها.