قد يبدو الأمر غريباً في البداية ومخالفاً للعرف الاجتماعي، فمن المعروف ان المرأة هي التي تتعرّض للعنف. فالرجل يفضّل المواجهة مع الجنس الآخر نظراً الى تفوقه البدني ولقدرته على الخروج بأقل خسائر ممكنة عند استخدام العنف مع الشريك. وحين كنا نسمع عن استثناءات قليلة كانت تبدو لنا مضحكة. اليوم كثرت الاستثناءات واختراقات القاعدة المألوفة. باتت ظاهرة العنف الأنثوي ضد الرجل موجودة، زوجاً كان أو أخاً أو صديقاً. فبعض النسوة تمردن على صورة الحمل الوديع الذي يتحمل العصي وتكسير الخيزرانات وفقاً للأغنية التراثية الشائعة "لا تضربني لا تضرب... كسرت الخيزرانة". فقد نما وعي المرأة الى درجة دفعتها لرفض الاهانة. ولعل دخولها مجالات الحياة كافة الى جانب مساهمتها في بناء المجتمع، والدعم الذي تلقته قضايا المرأة على الصعيد المحلي والدولي واستقلالها الاقتصادي عن الرجل، لعب ادواراً رئيسة في زيادة وعيها ورفضها لمفهوم الرجل المتسلط سي السيد. فمنذ ان انتهى عصر اتكالها على الرجل في تأمين معايشتها وقدرتها على قطع الحبل السري لهذا الاعتماد، نجحت المرأة في الظهور على حقيقتها ككائن مبدع وخلاق قادر على الدفاع عن نفسه، وعلى استلام زمام المبادرة عندما تشعر برغبة من زوجها في تعنيفها. والآن، ماذا تفعل حيت تضربك زوجتك؟ وهل يعترف الزوج بحقها في الدفاع عن نفسها ضد العنف؟ أو هل يقر الرجل بحق المرأة في ممارسة العنف ضده، كما يمتلك هو هذا الحق من وجهة نظره؟ تفاوتت إجابات النماذج التي التقيناها ضمن عينة تشمل معظم فئات المجتمع العمرية والمهنية والتعليمية. وكانت النتائج ذات مغزى على رغم ما تحمله من طرافة تترك في الحلق بعضاً من العلقم. وعمد كثير من الرجال الذين التقيناهم الى نفي تعرّضهم للضرب من زوجاتهم، مؤكدين ان ليس للمرأة الحق في ضرب الرجل. فأبو خالد الموظف في وزارة النفط يعتبر ذلك علامة من علامات يوم القيامة إذ ليس من حق المرأة ان ترفع صوتها في وجه زوجها، فكيف الحال في رفع يدها؟! أما زميله عماد وهو عازب، فيرى ان هذه الظاهرة غير موجودة في مجتمعنا، ولعلها منتشرة في بعض المدن المصرية، لكنه لم يسمع عن وجود نساء يمارسن العنف ضد ازواجهن في بلدنا، معبراً عن رأيه في الموضوع بصراحة قائلاً: "لن أسمح بأن ترفع زوجتي يدها في وجهي". وهذا الكلام يفتح باباً جديداً للموضوع، فالرجل حين يفقد مصادر قوته يرضخ للأمر الواقع فتصبح حاله مثل حال المرأة الضعيفة فيتساوى الطرفان. يؤكد أبو خالد على أنه يفك رقبتها، ولكن، هل تلجأ الى مخفر الشرطة للإبلاغ عن عنف تتعرّض له من زوجتك؟ وهنا تجحظ عينا أبو خالد وتهتز شواربه "أعوذ بالله... شو عم تحكي أنت؟!!". إن الرجولة تمنع الرجل من الشكوى، ولعل الخوف من سخرية المجتمع هو المانع الحقيقي في الكشف عن هذه الظاهرة. فحتى الأزواج الذين يتعرّضون للعنف داخل البيت، يحرصون على ان يبقى الموضوع داخل أسوار المنزل. أما المرأة فلا تجد غضاضة في لجوئها الى القانون في حال تأذت من عنف زوجها أو أخيها. بعض الرجال كان صريحاً للغاية، والمثال على ذلك ما قاله سعيد ح. مدرس التاريخ في احدى ثانويات منطقة دمر الذي لم يجد حرجاً من الاعتراف بأنه تعرّض ذات مرّة للعنف من زوجته، "ولكنها كانت في حال الدفاع عن النفس". ويصف الحادثة بالتفصيل فيقول: "بينما كنت ألاحقها في غرفة النوم لأتابع ضربها، زلّت قدمي ووقعت فعلقت بين السرير والخزانة، ولم أعد قادراً على التحرّك، وهنا انتهزت زوجتي الفرصة وانتقمت لنفسها". وعند سؤاله عن شعوره في اللحظات قال: "لن تصدق... كنت أتمنى لو أستطيع النهوض في تلك اللحظة لأخنقها"، لكن شعوره ذاك تبدّل بعد فترة وجيزة، فبحسب رأيه "الضرب بشع يا أخي، ولقد أحسست بالإهانة، وفكرت في انها ايضاً تشعر بالإهانة". ويؤكد المدرس سعيد على انه لم يقدم على ضربها منذ تلك الحادثة، وزوجته لا تفوّت فرصة للمزاح وتذكيره بأن "تلك القتلة بين السرير والخزانة، كانت السبب بتوبتك". المشكلة في الأمر ان كثراً من النسوة اللواتي التقيناهن، رفضن جملة وتفصيلاً ان تكون المرأة مصدراً للعنف في البيت، واعتبرن ان اللجوء الى العنف من الرجل هو جزء من حق الزوج على زوجته "ما فيه مرّة ما بيضربها زوجها". ان عدداً لا بأس به من المتعلمات استنكرن مجرد طرح الموضوع عليهن، ولكن بعضهن الآخر، وهو القلة القليلة، عبّرن بوضوح عن وجهات نظرهن، فالسيدة منى عبود التي تعمل سكرتيرة في القطاع الخاص ترى انه من حق المرأة الدفاع عن نفسها، لا ان تركن للعرف الاجتماعي الذي يفرض عليها الاستكانة ولعب دور الضحية المتسامحة دوماً، بخاصة انها باتت تسهم في الحياة العامة وفي الحياة الخاصة: "راتبي أعلى من راتب زوجي، ودوري في مصروف البيت أكبر، وشهادتي جامعية كشهادته، فلماذا اللجوء الى العنف؟؟ لن أتوانى لحظة واحدة في الرد ان كنت قادرة على ذلك، وليحدث بعدها ما يحدث". وتضيف: "لست مع العنف الأسري في كل اشكاله، ولم أتعرض له حتى الآن، ولكنني لن أقف مكتوفة اليدين وزوجي يرفع عصاه وينهال بها على جسدي وليحدث بعدها ما يحدث". وتقر السيدة منى بوجود ظاهرة العنف الانثوي، مستشهدة بعدد من روايات صديقاتها وجاراتها اللواتي يبادرن الى الدفاع عن انفسهن برد الصاع صاعين "لكن هذه المشكلة مخبأة تحت غطاء الاعراف والتقاليد التي تنظر الى الزوج الذي يتلقى صفعة من زوجته، نظرة ازدراء تنتقص من رجولته. لا تزال فكرة ان الرجل يكون "بقوة عضلاته" هي السائدة الآن في كثير من التجمعات السكنية في بلدنا". ولكن السيدة منى تفتح باباً جديداً، فالمرأة تبادر الى الدفاع عن نفسها، ما يعني ان الرجل هو المبادر دوماً الى العنف، وموقف الزوجة، هو الدفاع عن النفس، ولم نسمع عن حادثة كانت الزوجة فيها هي البادئة، ما يعني انتشار ظاهرة العنف الأسري، ولعل في الرجوع الى سجلات المحاكم الشرعية أو بعض مخافر شرطة الأحياء، دليلاً على انتشار هذه الظاهرة المرضية.