تنتشر النكتة لا سيما السياسية منها في شكل واسع بين الفلسطينيين هذه الأيام، وربما كان ذلك نابعاً من كون النكتة احدى أهم وسائل الترويح عن النفس، وتفريغ الكبت، ويعتبرها عدد من العلماء احدى أهم وسائل قياس الرأي العام. ويقول الاختصاصي النفسي الفلسطيني جميل الطهراوي ان النكتة "هي رغبة غير مباشرة في تفريغ الشحنات الانفعالية بهدف خلق واقع بديل عن الواقع الأصلي الذي يكون في الغالب مؤلماً، كما هي الحال عند الفلسطينيين"، مشيراً إلى أن الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون جراء جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة جعلت الكثير من الفلسطينيين ينقلون كماً كبيراً من النكات، بل ان عدداً منهم يتفنن في ابتكارها تنفيساً للطاقة الداخلية المكبوتة وفي شكل يبعدهم عن الصدام. وأكد أن وصول الأزمة إلى ذروتها "يدفع الناس الى البحث عن مخرج، وهنا تأتي النكتة، التي تعتبر، خصوصاً السياسية منها، مؤشراً قوياً للرأي العام حول مختلف القضايا". ويرى الفنان التشكيلي هاني زيدان أن النكتة السياسية سلاح ذو حدين، فهي علاوة على كونها لوناً مهماً من ألوان التنفيس، إلا أنها قد تلحق أذى بكثير من الشخصيات العامة التي قد تفقد صدقيتها أمام العامة في حال انتشار نكات تتناول هذه الشخصيات. الاستخبارات الإسرائيلية ويعتبر الكاتب الصحافي حسين خليل "النكتة من أهم مقاييس الرأي العام، لا سيما السياسية منها، والتي تنتشر كلما ضاقت مساحة الحرية... وكثيراً ما ترتبط النكتة بتوالي الأحداث، اذ شهدت مرحلة ما بعد حرب العام 1967 انتشاراً كبيراً للنكتة في فلسطين، وهذا الأمر ينطبق على الأحداث السياسية المفصلية كالانتفاضة الأولى وحرب الخليج الثانية واتفاقات أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وانتفاضة الأقصى". مرايا الشعوب ويرى الدكتور شريف كناعنة أستاذ الانثروبولوجيا في جامعة بيرزيت الفلسطينية أن النكات والأساطير "هي مرايا الشعوب، وهي أقصر الطرق الى معرفة التاريخ، حيث يوضح الناس من خلالها مشاغلهم وآمالهم ومخاوفهم". وجمع كناعنة خلال ثلاثة عقود مجموعة كبيرة من النوادر والقصص الطريفة المتداولة عند الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لم يقتصر موضوعها على الاحتلال الإسرائيلي بل تعداه إلى حالات التوتر الداخلية. يقول كناعنة: "تنتعش الدعابة حتى في أسوأ حالات التأزم والشدة، وتصبح النكتة أثناءها أقوى وأكثر سخرية، فالأزمنة السيئة، كما يقول، حبلى بالنكات الجيدة، وينطبق ذلك عموماً عندما يتعرض الفلسطينيون للقمع، حيث تبرز النكتة كتنفيس وصمام أمان. وخلال عمله الطويل في حقل النكتة الفلسطينية، خرج كناعنة، صاحب كتاب "الدعابة الفلسطينية" الصادر بالإنكليزية عن دار "كرونوس" في زوريخ، العام الماضي، باستنتاجات أهمها أن الفلسطينيين مروا خلال السنوات ال15 الأخيرة بتقلبات في مزاجهم وروحهم المعنوية، فسيطرت مشاعر اليأس وتهكم الفلسطينيين على أوضاعهم بنكات لاذعة، "شبه قاتلة". وبعد انطلاق الانتفاضة الأولى نهاية عام 1987، بدأت تختفي "المشاعر السلبية وأحاسيس النقص الذاتي، وبات يصور الفلسطينيون أنفسهم، من خلال النكتة، أبطالاً حققوا انتصارات مشرِّفة بصمودهم أمام الاحتلال الإسرائيلي على رغم أن موازين القوة كانت مختلة بطبيعة الحال، فالحجر يقاوم دبابة... وهذه الحقيقة التي انعكست في النكات كانت نتيجة تغلغلها في المزاج الشعبي العام. وفي مرحلة لاحقة، إبان حرب الخليج، كرست النكات لصدام حسين وجورج بوش الأب والضربات العراقية الموجهة إلى إسرائيل، في حين توجهت مع بداية العملية السلمية نحو قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، وأحياناً نحو الرئيس ياسر عرفات نفسه. ومع انطلاق انتفاضة الأقصى، يقول كناعنة، هيمنت الكآبة والريبة، وحلت النكتة مكان الاشاعة. ويورد فريحة الكثير من النظريات حول الدوافع الروحية والعقلية والجسدية التي تبعث على الضحك جراء النكتة، منها نظرية التناقض، التي تعتمد على إدراك المتلقي فجأة التناقض القائم بين الفكرة أو الصورة الذهنية للأشياء وبين الواقع، فيتخلى عن نظريته التقليدية للأمور ويضحك، أما نظرية الغلبة فترجع أصول الضحك إلى قهقهة الإنسان البدائي حين كان يوفق في تحطيم جمجمة عدوه، وهو أمر ناتج من الشعور بالانتصار. ويقول أصحاب نظرية الترقب الخائب إن عقولنا تسلك سبلاً معينة ممهدة كما تسير عجلات القطار على قضبان سكة الحديد، وأي شيء يخرج عن السكة يكون مضحكاً فكهاً. أما أصحاب نظرية الانهزام أو الانعتاق من الكبت، فكما هو واضح من الاسم، يفسرون الضحك بأنه شعور بالراحة وبالتراخي بعد كبت وضغط شديدين، نتيجة الخضوع لظروف غاية في الصعوبة، كما يرون أن الضحك هنا يفرغ الكبت، لذا فإن غالبية النكات تتمحور حول التابوات كالجنس والسياسة.