قدّم الثنائي رامي خليفة وفرانشيسكو شليمي - المعروف ب"شيشو"، مجموعة حفلات عزفاً على البيانو خلال هذا الموسم في مغارة جعيتا في لبنان. لقاء رامي وشيشو يعني لقاء حضارتين وثقافتين وحوار بيانو تخالهما لوهلة واحداً. اللافت في البرنامج انه "مرتجل"، من اوله الى آخره. وهو ما يتفرد به العازفان. وكل ليلة يختلف البرنامج عن الليلة السابقة. وكما يقول شيشو: "قلما يبدأ احدنا مقطوعتين. فإذا بدأت انا القسم الاول وتبعني رامي، فهو يبدأ القسم الثاني وأنا اتبع، والعكس صحيح". مكان الحفلات خيالي. الفكرة كانت لمنظم الحفلات انطوان الخازن وأثّرت في العازفين. "عندما وصلا لأداء التجارب قبل الحفلات، ذهلا بروعة المكان. فأبدعا في العزف حتى نسيا معظم مواعيدهما"، كما يقول احد المنظمين. منذ النوطة الاولى تشعر بالاختلاف بين شخصية العازفين. شيشو هادئ الطباع، متراخ. يغمض عينيه وينساب مع الموسيقى. رامي اكثر عصبية. كل نوطة يرافقها توتر خاص يبدو في حركات يديه وأصابعه وطأطأة رأسه وتعابير وجهه. "لعل الاختلاف في شخصيتينا هو الذي يشكل هذا الائتلاف او التكامل الجيد". قدّما موسيقى جميلة هي مزيج من الجاز والكلاسيك والموسيقى الهادئة الحالمة، ولم تخل من الإيقاع حتى! خصوصاً عندما يصل الشابان الى مرحلة يلعبان بها على الاوتار الداخلية للبيانو كأنه غيتار و"يدربكان" على خشبه كأنه آلة ايقاع... وكل شيء متكامل متناغم. وفي كل مقطع من الارتجال تتراءى للسامع صورة معينة. احياناً تشعر انك امام عصفورين يتحاكيان ويغردان، وأحياناً أخرى تسمع نوعاً من الصلاة حتى تشعر انك في هيكل تؤدى فيه طقوس معينة تقدم على مذبح آلهة ما، ثم تشعر بأمواج البحر وبعدها هبوب العاصفة ... ليعود الهدوء في ما بعد. مشاعر عدة يعبّر عنها البيانو. وشيات تلون الموسيقى لتتناغم مع الاطار المحيط: نوطات تخالها الستالاكتيت والستالاغميت. تلميذ عبدالرحمن الباشا ولد رامي خليفة في 25 ايلول سبتمبر 1981 في بيروت، وأحب الموسيقى منذ صغره. بعد ان تلقن لفترة قصيرة دروساً في البيانو هاجر الى فرنسا مع اهله وهو في السابعة حيث تابع تعلم الموسيقى في الكونسرفاتوار الوطني لمنطقة بولون - بيتانكور. بعد عشرة اعوام نال اول جائزة تقدير عن عزفه، اضافة الى شهادات مختلفة في النظرية الموسيقية. وكان يتابع دروساً خاصة في العزف على البيانو مع الفنان اللبناني عبدالرحمن الباشا. وتفوق ايضاً في مسابقات باريسية عدة اهمها "كونكور راديو فرانس" وV.F.A.M وكلود خان الذي سيساعده على العزف في "صالة غافو" العريقة العام 1994. مع اوركسترا بولون - بيتانكور عزف متفرداً الكونشرتو الرقم 40 لرخمانينوف وكونشرتو رافييل اثناء جولة في الشرق الاوسط. وقدم العام 1999 حفلة موسيقية تحية تقدير للفنان وليد عقل في الجامعة الاميركية في بيروت. انفتاح رامي خليفة الثقافي وغناه الموسيقي، جعلاه يكتشف الجاز حيث مواهبه كمبدع ومرتجل. وألّف مع موسيقيين شباب فريق "سبرينغ سبتات" الذي عزف في نوادي جاز باريسية معروفة. ومنذ نيسان ابريل 2000 شارك والده مارسيل خليفة وفرقة الميادين في حفلات حول العالم. يدرس رامي في ال"جوليارد سكول اوف ميوزيك" في نيويورك مع عازف البيانو الهنغاري جيورجي ساندور. وفي ال"جوليارد سكول" التقى رامي فرانشيسكو شليمي، وقدّما في حزيران يونيو 2001 حفلة مشتركة في لوكسمبورغ تلتها حفلة عزف مرتجل على آلتي بيانو كانت الاولى من نوعها في تاريخ "جوليارد سكول". ولاقت صدى كبيراً في هذه المدرسة المتصفة بالكلاسيكية. وفي آب 2001 سجل رامي اول اسطوانة مباشرة اثناء حفلة له في لبنان. وهي ثمرة رحلة طويلة وشغف موسيقي، يمكن الجمهور أن يكتشف من خلالها تنوعاً موسيقياً وعمقاً عاطفياً واضحاً. بدأت بتقليد والدي الى اي حد تأثر رامي بوالده؟ "لمارسيل فضل كبير عليّ، اذ حضّرني على حب الموسيقى وعلّمني اشياء وعرّفني الى اشخاص يحسدني مجايليّ علىهم. بدأت بتقليد والدي في العزف على العود وكانت لدي آلة صغيرة. ولكن عندما عرّفني الى البيانو كان اللقاء عظيماً. وأنا استفيد من كل ما هو ايجابي في شهرته، ولا انظر الى النواحي السلبية. انا اشارك اليوم في فرقة الميادين، ولكن لا افكر بمشاركة والدي مثلاً معي ومع شيشو لأن مشروعنا نحن مختلف عن المضمار الذي يؤدي فيه". وتجدر الاشارة إلى ان ما قدمه شيشو ورامي - وإن كان موسيقى شبابية ملونة - يتجه الى نخبة باستطاعتها ان تقدر هذا العمق في الموسيقى وفي المشاعر. فمن رافق رامي مثلاً اثناء مراحله في لبنان يشعر بنضج كبير عند هذا الشاب الفتي. هل تساعد الموسيقى على النضج؟ "الموسيقى مهمة، ولكن الأهم الأسفار والتنقل في بلدان كثيرة، والتعرف الى حضارات مختلفة".