لعبت قلعة دمشق عبر تاريخها الطويل أدواراً مختلفة تبعاً للجهات التي سيطرت عليها، مذ بناها الأمير السلجوقي اتزين أوق عام 1076م، وحتى فترة الاحتلال الفرنسي الذي حولها الى سجن، واستمر ذلك حتى عام 1980. شيدت قلعة دمشق على السهول المطلة على نهر بردى واحتلت الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق القديمة. وهي شهدت على امتداد عهد اتابكة السلاجقة وعهد نور الدين وصلاح الدين الايوبي وجزء من حكم الملك العادل مكانة سياسية بارزة إذ كانت دار إمارة وحصناً يعيشون فيه مع أسرهم واتباعهم من القادة. ومع بدايات القرن الثالث عشر قام الملك العادل الايوبي بتوسيعها واعادة بنائها منذ عام 1202، لتتلاءم مع المتطلبات العسكرية والدفاعية. وأحيطت القلعة بخندق من جهاتها الاربع وزودت أبراجاً حصينة وبوابات منيعة استخدم فيها احدث تقنيات العمارة العسكرية. وتقع القلعة وسط مدينة دمشق على مساحة تبلغ 33176 متراً مربعاً، ويراوح طولها بين 225 و240 متراً وعرضها بين 165 و120 متراً. أما عدد أبراجها فيبلغ 12 برجاً. وأدت التغيرات الديمواغرافية التي طرأت على مدينة دمشق مع زيادة عدد السكان وتطور البنية التحتية والعلوية والتوسع في بناء المحال والأبنية والمخازن الى حصول تغيير واضح وجذري في النسيج العمراني لهذه المدينة، ما دفع المعنيين مطلع عام 1982 الى اتخاذ قرار لحماية دمشق ومعالمها الاثرية. وسجّلت اليونيسكو مدينة دمشق كأقدم مدينة آهلة بالسكان. وبالتعاون مع المنظمة الدولية تم تشكيل لجان لحمايتها والمحافظة عليها وعلى الشريحة العمرانية القديمة الواقعة ضمن سورها، وترميم الأزقة والشوارع والحواري والدور السكنية الصغيرة والكبيرة والمعالم التاريخية الاخرى والبارزة منها: كالجامع الاموي الذي كان ضمن أضخم المشاريع التي نفذت في المدينة على مدار خمس سنوات متواصلة من الدراسة والتحليل واجراء التجارب واختيار أنسب الحلول المعمارية والفنية والترميمية . وبعدما عاشت قلعة دمشق سنوات من العزلة عن العالم الخارجي، قرر المسؤولون في "المديرية العامة للاثار والمتاحف" البدء بمشروع اعادة ترميمها. وقال مدير المشروع "ادمون العجة" ل"الحياة": "بدأنا تنفيذ اعمال المشروع مطلع الثمانينات عبر إعادة جمع المصادر والمراجع التي تحدثت عن قلعة دمشق وارشفتها بالتعاون مع جهات خارجية. وبالتوازي مع هذا العمل كانت تجري بعض أعمال التدعيم والترميم الاسعافية لبعض المواقع المهددة بالانهيار أو المتهدمة تماماً، اضافة إلى أعمال كشف المحيط الداخلي والخارجي لقلعة دمشق الذي كان مشغولاً ببعض الأسواق التجارية والمباني الدخيلة الحديثة التي تشوه النسيج العمراني لهذه القلعة". وأضاف: "لنا بالفعل بعض الأسواق والمباني الملاصقة لها، مثل سوق الخجا والجزء الشمالي من سوق العصرونية، وجزء من محال الجهة الغربية لسوق الحميدية بهدف اظهار هذه الواجهات وإعادة بناء برج الزاوية الجنوبية الغربية" . وتابع: "أزيلت ضمن القلعة أيضاً البيوت الخرسانية الحديثة التي شغلت معظم ساحات القلعة وأسطح المباني القديمة، وقمنا بترحيل ردميات وانقاض هائلة كشفت بعد إزالتها عن عناصر معمارية هامة بعضها قبوات وممرات وجدران منهارة". وأسفرت اعمال التنقيب الاثري بداية التسعينات عن اكتشاف قاعة مقابلة لقاعة العرش ومعاصرة لها تماماً، وتماثلها على صعيد التفاصيل المعمارية، علاوة على اكتشاف حمام مملوكي غني بالعناصر الزخرفية. ومع نهاية عام 1996 وبدعم من منظمة اليونيسكو عقدت ندوة دولية حول قلعة دمشق لتقويم مشروع الترميم وإعادة التأهيل. وتمخض عن هذه الندوة تشكيل ورشات عمل مشتركة من سورية ومصر وفرنسا عملت في الموقع لثلاث سنوات أنجزت خلالها رفوعات معمارية وطوبوغرافية تفصيلية لقاعة العرش وبرج الزاوية الشمالية والغربية. كما أجريت التحاليل الانشائية وتحاليل مواد البناء لهذين المبنيين. وينوي المشرفون على مشروع اعادة ترميم القلعة فتح أبوابها نهاية السنة الجارية أمام السياح والزوار في جزئها الجنوبي فقط ليتمكنوا من معاينة الموقع وقراءة تاريخ تطور العمارة العسكرية بعدما بقيت قلعة دمشق على مدى قرون مجهولة بالنسبة إليهم وزيارتها حكراً على العسكريين ورجال الامن دون غيرهم.