كانت الصدمة التي تلقاها الشاب أديب ثوابتة من قرية بيت فجار قضاء بيت لحم في الضفة الغربية أقوى من ان تتحملها عواطفه التي كانت تتلهف للقاء أهله وأسرته بعد اعتقال دام ثلاثة أشهر، لترتطم بقرار عسكري اسرائيلي يقضي بإبعاده الى قطاع غزة. حدث ذلك قبل اسبوعين، ولكن ثوابتة لا بزال يعيش تحت وقع صدمة الغربة والاغتراب القسري في مدينة لم تطأها قدماه طوال حياته ليعيش غربة داخل وطنه، كما قال في حديث خاص الى "الحياة". بدأت تفاصيل معاناة ثوابتة 22 عاماً في الرابع والعشرين من حزيران يونيو من العام الجاري عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي من منزل عائلته في بيت فجار، ضمن حملة اعتقالات عشوائية وذلك عشية الجلسة الأخيرة لامتحانات الثانوية العامة التوجيهية التي كان يقدمها في ذلك الوقت. واقتيد ثوابتة أولاً الى معسكر "عوفر" الاعتقالي في رام الله ومن ثم نقل الى معتقل النقب الصحراوي بعد ان حكم عليه بالسجن ادارياً لمدة ثلاثة أشهر من دون ان تقدم لائحة اتهام ضده أو يقدم الى المحاكمة. وقدم ثوابتة استئنافاً لدى المحكمة العسكرية الاسرائيلية فجرى تخفيض حكمه الى 50 يوماً. وفي يوم الإفراج الموعود وبينما كانت العائلة والأصحاب يستعدون للاحتفاء به، وكان قلبه ينبض بعدد الدقائق التي ستعيده الى احضان أبويه واخوته في بيت فجار، كانت الحافلة الإسرائيلية التي اقلته وثمانية من المعتقلين الآخرين تقطع الطريق باتجاه قطاع غزة. وقال ثوابتة: "تجاوزنا لافتات تشير الى ان المسافة الى قطاع غزة تزداد قرباً وعندما سألنا الضابط المسؤول، قال ان واحداً بيننا سيبعد الى غزة، ونظرنا الى بعضنا البعض ثم اشار اليّ وقال: هذا". وتابع ثوابتة: "لم أتمالك نفسي واحسست ان قواي تخونني، فأنا لم اطأ غزة ولا مرة في حياتي وليس لي فيها أقارب أو اصدقاء أو معارف. ووقع حديث الضابط الذي أدلى به قبل دقائق فقط من وصولنا الى حاجز ايرز العسكري على حدود غزة كالصاعقة. رفضت ان اترجل من الحافلة فأخرجوني منها بالقوة وتركوني هناك وحيداً... وحتى اللحظة يصعب عليّ ان أصدق ما جرى". وقال محمود ثوابتة والد أديب ل"الحياة" ان الحجة التي استخدمتها سلطات الاحتلال لإبعاد ولده هي ان بطاقة هويته صدرت في قطاع غزة. وقال ثوابتة الأب: "عدت أنا واسرتي مع باقي العائدين الفلسطينيين في عام 1994 بعد قدوم السلطة وسكنت في بيت فجار وهي مسقط رأسي، وتقدمت بطلبات لتغيير عنوان السكن لي ولزوجتي وابنائي الثلاثة اكرم وأديبة وأديب. ولكن الإسرائيليين رفضوا تغيير عنوان سكن أديب مع العلم اننا نسكن جميعاً في بيت فجار". ولم تنفع أديب ولا عائلته جميع الاتصالات والمناشدات التي وجهوها إلى منظمة الصليب الأحمر الدولي ولا المؤسسات الحقوقية لإعادة الإبن الى عائلته في أول عملية ابعاد لفلسطينيين من الضفة الغربية الى قطاع غزة، بعد ان قررت السلطات الاسرائيلية اتباع هذه السياسة ضد عائلات منفذي العمليات العسكرية ضد اسرائيل. وحذر حقوقيون فلسطينيون من سياسة الإبعاد "الصامت" لتجنب اي ضجة اعلامية محتملة والتي ارغمت المحكمة العليا الاسرائيلية على تأجيل البت في قضية ابعاد أهالي المقاومين الفلسطينيين حتى الآن. ومن "المفارقات"، على حد قول أديب، انه يعيش الآن مع مجموعة من الفلسطينيين من منطقة بيت لحم "أبعدوا" بموجب "صفقة" أنهت الأزمة التي شهدتها كنيسة المهد في بيت لحم خلال الاجتياح الاسرائيلي الشامل الأول لمدن الضفة الغربية قبل نحو خمسة اشهر. اما المفارقة الثانية، فهي ان على ثوابتة ان يقدم امتحانه الأخير للحصول على شهادة الثانوية العامة وفقاً للمناهج التعليمية المصرية التي تدرس في قطاع غزة بخلاف تلك المتبعة في الضفة الغربية.