يقول البروفسور بروس اكرمان، أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة يال، ان القرار الذي استصدره الرئيس جورج بوش من الكونغرس وأعطاه حق استخدام "جميع الوسائل التي يراها مناسبة، بما فيها القوة"، وحتى إذا لم يحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي، يخالف ميثاق الأممالمتحدة الذي يبيح استخدام القوة للدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح. ويزيد البروفسور ان الضربات الاجهاضية الانفرادية، تحت عذر الدفاع عن النفس، تخالف تقاليد الرؤساء الأميركيين السابقين، مثل جون كينيدي، في أزمة الصواريخ الكوبية، وجورج بوش الأب في حرب تحرير الكويت. وهكذا فالرئيس بوش يخالف القانون الدولي، والتقاليد الرئاسية الأميركية في اصراره على حرب لا يريدها أحد غير قلة من أنصار اسرائيل داخل ادارته وحولها. وأريد قبل أن أعالج التفاصيل أن أسجل ان من المهم جداً تجنب اللاسامية أو العنصرية في الحديث عن خطط الحرب على العراق. ففي حين ان عدداً من اليهود الأميركيين الليكوديين الشارونيين يتآمرون على العراق، والعرب والمسلمين كلهم، فإنهم يبقون أقلية، لأن غالبية اليهود الأميركيين ليبرالية تعارض الحرب. وصحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" اللتان يملكهما يهود هما من أقوى الأصوات وأبعدها أثراً في معارضة الحرب. أختار اليوم من فيض التحريض أقله، ولكن بما يفي بالغرض. فالمحرر القانوني لجريدة "الديلي تلغراف" الصهيونية، واسمه جوشوا روزنبرغ كتب مبرراً الهجوم على العراق كدفاع جماعي عن النفس، وقال انه لا يوجد دفاع ضد الأسلحة النووية، فهي إذا أطلقت توقع اضراراً لا يمكن ردها. وهو ينهي مقاله بالقول: "انني واثق من أن تقديرات الاستخبارات التي سننشرها قريباً ستحسم الأمر". أنا واثق في المقابل من أن المعلومات البريطانية تتراوح بين الكذب والخطأ، وانها من نوع حيثيات قرار الكونغرس الذي كال للعراق تهماً ترددت ثم نفيت في الصحف الأميركية نفسها. ولكن ماذا ينتظر من روزنبرغ في صحيفة ليكودية؟ على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي هناك سايمون هندرسون في مجلة "ويكلي ستاندارد" التي تصدرها منظمة صهيونية أخرى، وهو كتب مقالاً بعنوان "أنابيب الدمار الجماعي" وجده معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الموالي لإسرائيل، موثوقاً ومتزناً الى درجة ان يعيد نشره. الأنابيب المشار اليها هي أنابيب ألومنيوم من تصميم خاص تستعمل في معالجة اليورانيوم المشبّع. وكانت القصة سربت الى "نيويورك تايمز" في الثامن من الشهر الماضي، وزعم مسؤولون أميركيون ان شحنات أوقفت، ورفضوا الخوض في التفاصيل. وأولاً، فالخبر كاذب كما يظهر من مصدره، وكذبه مؤكد لأنه لو وجدت أنابيب الألومنيوم المزعومة، لكانت دليلاً قاطعاً على نيات صدام حسين، ولكان نشر صورها وصور السفن التي حاولت نقلها، "خبطة" اعلامية كبرى ضد النظام العراقي. هذا لم يحدث، ومع ذلك فقد حاول هندرسون بعد أسبوعين من الخبر الأصلي ان يدخل القارئ في متاهة علمية، وقدم درساً عن سبل صنع قنبلة نووية، والمواد المستخدمة ودور أنابيب الألومنيوم. وهو لم يكتف بذلك بل أشار الى أن باكستان انتجت قنبلتها النووية بالطريقة التي يحاول صدام حسين اتباعها، وحاول الكاتب بخبث كبير ان يربط باكستانبالعراق بالقنبلة النووية، فهي في هذه وتلك قنبلة اسلامية، وأنصار اسرائيل يفضلون ان تبقى اسرائيل قوة نووية وحيدة في المنطقة. لن أرد على هندرسون، فهناك من يعرف أكثر مني، وهو مرجع ثقة لا يمكن أن يقارن به صحافي ليكودي. وهكذا ففيما كان هندرسون يجمع بين الخطأ والتلفيق أصدر معهد العلوم والأمن الدولي تقريراً يحلل "أدلة" الادارة الأميركية ويقول ان محاولة الحصول على أنابيب الألومنيوم "ليست دليلاً في حد ذاتها على أن العراق يملك، أو قريب من أن يملك، أسلحة نووية. وهي لا تمثل اثباتاً على ادارة العراق مصنعاً لليورانيوم المشبع أو أن مثل هذا المصنع يعمل فعلاً". ولكن إذا لم يجد انصار اسرائيل أدلة ضد العراق تبرر الحرب، فهناك من يدعو لها لأنها رخيصة. وكتب روبرت سامويلسن مقالاً بعنوان "حرب نستطيع تحمل نفقاتها" ملأه بالأرقام، وقال ان موازنة وزارة الدفاع هائلة، فهي 350 بليون دولار في السنة، الا ان الاقتصاد الأميركي في حدود 10 ترليونات دولار في السنة، أي أن موازنة الوزارة لا تتجاوز ثلاثة في المئة من الدخل القومي السنوي. وبما ان أعلى تقدير لنفقات الحرب هو مئة بليون دولار، فإن هذه النفقات لا تتجاوز واحداً في المئة من الدخل القومي، وتستطيع الولاياتالمتحدة بالتالي شن حرب لأنها تملك ثمنها. وهكذا فإذا كانت الولاياتالمتحدة لم تجد دليلاً قاطعاً يبرر الحرب، فهي تستطيع شنها لأنها رخيصة. الرخيص هو دماء العراقيين، والعرب والمسلمين كلهم، عند أنصار اسرائيل. ولكن الأميركيين قد يفكرون في الثمن الحقيقي لإدارة جورج بوش الابن. ففي أقل من سنتين له في البيت الأبيض، أصبح هناك مليونا أميركي عاطل عن العمل، وخسرت أسواق المال 4.5 ترليون دولار من قيمتها الورقية.