قبل أربعة ايام كتبت في هذه الزاوية ان السياسة الأميركية مكروهة، وأنني لا أحتاج الى انتظار نهاية جولة الرئيس جورج بوش في أوروبا لأعرف انه سيستقبل بالمظاهرات العدائية ويودع. وقبل يومين كتب توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" مقالاً بعنوان: "إنهم يكرهوننا. انهم يحتاجون إلينا". فريدمان صحافي ممتاز واسع الاتصالات والمعارف، وهو أيضاً يهودي اميركي ملتزم "عضوياً" بإسرائيل، لذلك فهو عدد أسباب إجماع اليسار الأوروبي واليمين على كره الولاياتالمتحدة. ونستطيع ان نزيد نحن ألف سبب تختصر كلها بكلمة إسرائيل، مع إضافة اننا معشر العرب نحتاج الى الولاياتالمتحدة بقدر ما نحتاج الى البرص. لا أريد اليوم ان أتكلم مرة اخرى عن المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فأكتفي بالقول إن الولاياتالمتحدة شريك كامل في الجرائم الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين، ومعهم كل العرب والمسلمين، وأنها ليست وسيطاً في الشرق الأوسط بل هي الطرف الأساسي في المواجهة، وإسرائيل مجرد مخلب قط لها. أكتفي بما سبق عن الفلسطينيين، وأكمل بالعراق وإيران. العقوبات التي تطلب الولاياتالمتحدة فرضها على العراق ليست ذكية، بل خبيثة. والإدارة الأميركية تزعم انها تريد رفع المعاناة عن شعب العراق والتركيز على النظام، وهذا جميل كنت سأؤيده بشدة لولا أنني لا أصدقه. والولاياتالمتحدة زعمت انها في مقابل تشديد الحصار لمنع شراء السلاح أو تهريب النفط، فهي ستقبل ان تلغي تقريباً كل القيود المفروضة على البضائع الأخرى. الولاياتالمتحدة قالت هذا ثم قدمت هي وبريطانيا قائمة طويلة جداً بالممنوعات، لا أورد رأيي فيها، وإنما اكتفي بجريدة "واشنطن بوست"، فهي قالت إن خبراء فرنسيين وروساً ومستقلين، أكدوا انه يصعب تنفيذها وأن بعض البضائع المقترح منعها مثل اجهزة الكومبيوتر وقطعها، متوافرة تماماً في السوق العالمية. أفهم من هذا ان الولاياتالمتحدة، بالنيابة عن إسرائيل، تريد قيام جيل أو أكثر من العراقيين الجاهلين، فهي تحاول ان تحرمهم من تكنولوجيا منتشرة كالماء والهواء في كل بلد. وإذا كان من زيادة في العداء فالجريدة نفسها، وهي موثوقة جداً، قالت إن بريطانيا طلبت من المملكة العربية السعودية والكويت الإسهام في صندوق للتعويض على جيران العراق، أي الأردن وسورية وتركيا، الخسائر التي ستلحق بهم من جراء منع التهريب العراقي. والسعوديون والكويتيون ضد النظام في بغداد، وأنا شخصياً كذلك ومثلي عرب كثيرون، ولكن هل معنى هذا ان نُموّل الجهل العراقي لخدمة إسرائيل؟ في المناسبة الجديدة تقدر التعويضات المطلوبة بحوالى 500 مليون دولار في السنة. هذا عن العراق، اما ايران فالقارئ العربي لم يقرأ مثلي مدى تركيز أنصار إسرائيل في الولاياتالمتحدة على ضرورة ان يختصر الرئيس بوش اجتماعه كله مع الرئيس بوتين في ليوبليانا الى قضية منع حصول ايران على مساعدة روسية في بناء برنامجها النووي المزعوم. الرئيس بوش يريد توسيع حلف شمال الأطلسي الى حدود روسيا، ثم يقول ان روسيا صديقة، بل حليفة. وربما كنت لا أفهم، فأرجو من القراء أن ينوروني عن حلف لا أعداء له. والرئيس بوش يريد بناء شبكة دفاع صاروخية، ويحاول إقناع الرئيس الروسي بها، وهو يقول ان معاهدة 1972 من مخلفات الحرب الباردة، وتمنع الولاياتالمتحدة من اختبار صواريخ لمواجهة الدول المارقة. غير ان خبراء أميركيين قالوا في الصحف الأميركية طوال الأسبوع الماضي ان المعاهدة لا تمنع التجارب على الصواريخ، وإلغاؤها لهذا السبب غير صحيح. الصواريخ وتوسيع الناتو غير مهمين لإسرائيل وأنصارها. بل ان اقتراح روسيا ان تدفن النفايات النووية في أراضيها، وهو اقتراح يعارضه العالم، بمن في ذلك 90 في المئة من الروس، يقبل به انصار إسرائيل إذا ربط بوش الموافقة عليه، بموافقة روسيا على وقف تعاونها مع برنامج الأسلحة النووية في ايران. وكانت اميركا وإسرائيل، دائماً هما معاً، احتجتا الى روسيا على تصدير شحنة من الألومينيوم العالي المتانة الى إسرائيل، لأنه يستخدم في فراش طوربينات تستخدم في إنتاج اليورانيوم المشبع. وقرأت من التفاصيل العلمية ما أصابني بصداع، إلا أن خلاصة الموضوع هي ان روسيا صدرت في الماضي مواد مماثلة الى العراق وباكستان، وأن على الولاياتالمتحدة ان تمنع روسيا من التصدير الى ايران، وفي مقابل ذلك توافق على مشروع للنفايات النووية تعارضه أوروبا كلها والشعب الروسي نفسه، وخبراء البيئة كافة. وأعود الى ما بدأت به، فالسياسة الأميركية مكروهة لأنها كريهة، وقد اضطرت الشرطة السويدية لإطلاق النار على المتظاهرين، ربما للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد المحايد. وإذا كان عند الأوروبيين اسباب لكره السياسة الأميركية فإن عندنا منها أضعافاً مضاعفة، حتى أنني استغرب احياناً أن الجماعات الإرهابية المعارضة للولايات المتحدة، التي أعارضها بالمطلق وأدينها، ليست اكثر عدداً.