ان صورة العنصر الديبلوماسي تبدو وكأنها تعني الطمأنينة، والراحة والحماية الأمنية، لا سيما أن المعارضة العراقية لم تستخدم أساليب اغتيال الديبلوماسيين، أو اختطافهم لاعتبارات أخلاقية على رغم أن هؤلاء الديبلوماسيين، وبتعريف صدام نفسه هم "عيون المقر" وأدواته الإرهابية المسوَّرة بالمال والحصانة الديبلوماسية. إلا أن استقراء الديبلوماسيين في جهاز صدام يكشف حالاً غريبة. فهؤلاء المكلفون مراقبة المعارضة يعانون من مراقبة داخلية يكاد لا ينجو منها أحد. فالسفير خاضع لتقارير أمنية تُرسل في بريده الديبلوماسي الى ادارة الاستخبارات. وقد يشارك في كتابتها سكرتيره الخاص، أو سائق سيارته، أو حارسه الشخصي. كما يتعرض المستشار للسلسلة نفسها من التقارير الاستخبارية، ويعيش هؤلاء في دوامة قاتلة من "الصراع من أجل البقاء". والتقارير هي لغتهم المشتركة، وليس بينهم لغة أخرى. وإذا كان رجل المعارضة العراقية أراح ضميره الوطني، فإن عنصر السفارة يعيش تأنيب الضمير، والشعور بالخسّة. ويتحول من ميت الضمير الى ميت الهلع بعد كل بريد ديبلوماسي، وبرقيةٍ عاجلة. وأمامهم شريط من صور الأشباه الذين استدعوا الى بغداد، ولم يعودوا ولم يعرف مصيرهم. وإذا كان مثل هذا الكلام عاماً، فلنتذكر بعض الأسماء، ونتساءل عن مصير السفراء، والملحقين الصحافيين، والقناصل والمستشارين الذين عينوا بعد انقلاب 17 تموز يوليو 1968، أو الذين عُينوا ديبلوماسيين في السبعينات، أين هم؟ وأين "عيون المقر"؟ أين وزراء الخارجية الذين أشرفوا من بغداد على مهمات "عيون المَقْر" وزودوهم الوسائل المطلوبة لمطاردة المنفيين؟ أين وكلاء الخارجية الذين ساعدوا وزراءهم على أداء مهمة من النوع المنافي للكرامة الإنسانية؟ لقد استوزر للخارجية منذ انقلاب 17 تموز 1968 الى اليوم 6 وزراء هم: 1 - الدكتور ناصر الحاني اغتيل في بيته، 2 - عبدالكريم الشيخلي اغتيل في محلة الأعظمية، 3 - مرتضى الحديثي قتل في السجن، 4 - شاذل طاقة قتل مسموماً في المغرب، 5 - طارق عزيز على لائحة الانتظار، 6 - سعدون حمادي في قائمة الانتظار. أما وكلاء الخارجية فقد أعدم محمد صبري الحديثي، وقاسم السماوي. ومن السفراء قُتل وأُعدم حموده الغزاوي وقاسم كلكاوي ومحمد حسين الشامي، ومدلول ناجي، وعدنان شريف، وآخرون، ويقبع في السجن أكثر من 12 سفيراً استدعاهم المَقْر الى بغداد، ولم تعرف أخبارهم من بعد. جدة - فهد سليمان سالم العتيق كاتب ومحرر صحافي