ردد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو ما قاله الرئيس الأميركي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن العراق يشكل بأسلحته تهديداً خطيراً، بل اعتبره التحدي "الأول" الخطير للأمم المتحدة وسلطتها. تجاهل الرجلان مجمل الصورة الدولية، وما فيها من نزاعات يمكن اعتبارها - حسب اللازمة الرائجة حالياً - مهددة للسلام العالمي. ولا يمكن القول إن الهم الرئيسي الراهن للولايات المتحدة هو هذا السلام العالمي، أو على الأقل هي لم تبرهن على ذلك بصفتها زعيمة العالم بلا منازع. أسلحة الدمار الشامل خطر وتهديد لحياة ملايين البشر، أينما وجدت، وأينما وجدوا، في دول عظمى أو في دول غير عظمى. وبالنسبة الى دول الشرق الأوسط والخليج، وبالأخص عند شعوب المنطقتين، هناك خبرة طويلة تمتد على نصف قرن على الأقل وتؤكد ان اسرائيل لم تتحدَّ الأممالمتحدة فحسب بل احتقرتها واستخدمت نفوذ الولاياتالمتحدة لتعطيل سلطة هذه المنظمة الدولية وحماية احتلال تطبقه على الشعب الفلسطيني بالارهاب والوحشية. أكثر من ذلك، هناك ترسانة أسلحة دمار شامل، نووية بالتأكيد، ترفض اسرائيل اخضاعها لأي رقابة أو تفتيش دوليين، ولأي معاهدة دولية، وكانت ترفض الاعتراف بوجودها لكنها بمناسبة الحرب الأميركية المزمعة ضد العراق لم تعد تتردد بالتهديد باستخدامها. في الذكرى السنوية الأولى لأحداث 11 أيلول سبتمبر تعددت الأصوات التي ربطت بين تلك الأحداث والسياسة الأميركية المنحازة لاسرائيل، لكن بدا واضحاً ان الإدارة الأميركية وضعت بين أهدافها مكافحة هذا الربط واحباطه. وإذا كان هناك من يعتبر سياستها في الشرق الأوسط "خاطئة" فإن واشنطن تراها سياسة صحيحة طالما أنها اختارتها وانتهجتها، ف"الخطأ" الذي تتبناه أميركا لا بد أن يعامله الآخرون على أنه "الصواب" عينه. أما التركيز على العراق فيأتي من أولوية أميركية لمكافحة الارهاب، وبالتالي من "ربط" أسلحة الدمار العراقية بهذا "الارهاب"، ومن تنزيه أسلحة اسرائيل من وصمة الارهاب. على رغم ان الديبلوماسية البريطانية اجتهدت لايجاد مخارج تضفي شيئاً من المعقولية على التوجهات الأميركية، إلا أن لندن لم تؤكد يوماً تفضيلها البحث عن حلول غير حربية بل اشتغلت في المخططات الأميركية نفسها. وإذا كان من حقها ان ترى في ذهاب جورج بوش بالملف العراقي الى الأممالمتحدة ثمرة جهود بريطانية خفية، فهي أول من اقترح توجيه انذار الى بغداد، إلا أن المنطق الديبلوماسي يفترض اكمال الطريق وليس الاكتفاء باجتياز نصف المسافة. إلا ان بريطانيا انتقلت الآن الى مرحلة ثانية هدفها حمل مجلس الأمن على مباركة خيار الحرب بأي صيغة وأي شكل. واقع الحال ان انتقال الملف الى مجلس الأمن شكل المخرج الذي انتظره الاتحاد الأوروبي للانعطاف بموقفه إرضاء للولايات المتحدة، التي لم تغيّر خياراتها ولا تزال ذاهبة الى الحرب وحدها ومن دون حلفاء. وثمة اشارات عربية أيضاً الى انعطاف مماثل. وكأن الجميع فهم ان أمامه خياراً وحيداً: ان يتكيّف مع حرب تريدها الولاياتالمتحدة ولا مفر منها. فهي لم تخف أبداً، بل قالت صراحة ان "عودة المفتشين" ليست المسألة. ما المسألة إذاً؟ انها "تغيير النظام". وطالما ان هذا نظام لا يمكن الدفاع عنه والتمسك ببقائه حتى لو وافق على عودة المفتشين - بالمنظور الأميركي - يصبح واضحاً ان مجلس الأمن، أي الهيئة الممثلة للمجتمع الدولي، مدعو للموافقة ضمناً أو علناً على اطاحة النظام العراقي. ولو أُخضعت مسألة الاطاحة للنقاش، وهو ما تعتمد واشنطن على انه لن يحدث، فإن صقور الادارة الاميركية مستعدون للقول بصوت عالٍ ان "تغيير النظام" ليس هو المسألة؟ ما المسألة إذاً؟ انها ما يعرفه الجميع وما أدركوه منذ اللحظة الأولى لإبداء الولاياتالمتحدة نياتها، انها السيطرة على العراق ضمن استراتيجية هيمنة اميركية. لم يكن جورج بوش مضطراً للحديث عن استراتيجيته هذه، فكل ما يريده الآن أن يحصل من مجلس الأمن على "شرعية" لحربه على العراق. وعندئذ سيتساوى عنده أن يلح الآخرون على بغداد كي توافق على عودة المفتشين، أو أن تظل هناك أصوات تعارض الحرب. الفارق بينه وبين خصمه الراهن، ان هذا الخصم العراقي "يتحدى" سلطة الأممالمتحدة، أما هو الأميركي فيضع تلك السلطة في خدمته.