كُتب الكثير عن مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبت في 16 و17 أيلول سبتمبر عام 1982 اثناء الغزو الاسرائيلي للبنان، وتتجدد الكتابات عربية وأجنبية وإسرائيلية بين فترة وأخرى. وآخر الاصدارات في يتعلق بالمجزرة كتاب أعدته الدكتورة بيان نويهض الحوت يصدر النص الانكليزي منه في الايام القليلة المقبلة، فيما قد يتأخر اصدار النص قليلاً. ويتضمن الكتاب معلومات وتحليلات ومعطيات تتعلق بتفاصيل عن المجزرة وعن الضحايا وأعدادهم وأعمارهم وصفاتهم ومهنهم وجنسياتهم وجنسهم، ودرجة القرابة بين بعضهم بعضاً، خصوصاً ان هناك عائلات ابيدت بكاملها، اضافة الى معلومات اخرى عن المخيم والحوادث المهمة في حياة ناسه وساكنيه. وأصدر محمود كلَّم كتاباً عن المخيم والمجزرة، بعنوان "مجزرة صبرا وشاتيلا... ميراث الدم"، يتضمن عرضاً تاريخياً لكيفية نشوء المخيم وأصول اللاجئين الأول الذين سكنوه والتوسعات والتغيرات التي حدثت فيه منذ اعوام النكبة الاولى في عام 1948 وحتى ايامنا هذه والتركيبة السكانية التي لجأت اليه، وأصولها، والمناطق التي اتت منها، وغير ذلك من معلومات. كما يتابع بعض المحطات المهمة في حياة ناسه، خصوصاً النقلة النوعية التي حدثت بعد نشوء منظمات العمل الفدائي الفلسطيني فيه، والتغيرات اللاحقة وصولاً الى الاجواء التي سبقت المجزرة ومهدت لها. ويتبنى كلّم اجتهاداً يذهب الى ان المخيم كان وضع ضمن دائرة الاستهداف منذ عملية ميونيخ التي وقعت في 5 ايلول عام 1972. ويذكر في هذا المجال ان الطيران الاسرائيلي استهدف قصف موقعين معروفين في المخيم قبل اسبوعين من ارتكابه المجزرة، هما: نادي الكرمل الرياضي وجمعية انعاش المخيم الفسلطيني التي يتبع لها النادي. ويؤكد الكاتب ان المجزرة انطلقت من ارض هذين الموقعين، بعد تدميرهما تدميراً كاملاً، ثم توسعت لتستهدف خصوصاً حي عرسان في المخيم وساكنيه قبل ان تشمل بقية المخيم. ويحاول الكاتب الاجابة عن سبب الاستهداف المقصود لحي عرسان بالذات ؟ خفايا في العقل الجمعي يذكر المؤلف في هذا المجال ان المجزرة كانت تقررت في بعض الدوائر الاسرائيلية ووضعت لها سيناريوات عدة بعد عملية ميونيخ في عام 1972، وجاء اغتيال بشير الجميل بعد 20 عاماً في 14 ايلول 1982 صاعق تفجير للعملية، وإشارة بدء لها، خصوصاً ان انصار الجميل اصبحوا مهيئين لأي عملية عسكرية انتقامية تعيد لهم التوازن النفسي والعملي الذي اختل باغتياله، وهكذا التقت رغبتان انتقاميتان. ويعتبر الكاتب ان الرغبة الاسرائيلية في الانتقام تستجيب لتكوين خاص في العقل الجمعي الصهيوني وللتركيبة النفسية الخاصة لهذا العقل ومفادها: الانتقام بأقسى الاساليب، وانتظار الفرصة المواتية ولو بعد حين، وتلبيس الحدث الجديد مبررات وأسانيد آنية وحتى مفتعلة، في حين ان جذر الحدث وأصله يكون غائراً في الزمن وفي العقل كأنه من نبت الاساطير، ومن جمر القبائل القديمة التي كانت تتجمع للأخذ بثاراتها البائسة او الحية الساخنة الجديدة. فهل ينطبق ذلك على ما حدث في صبرا وشاتيلا؟ يؤكد الكاتب ان الفدائيين الثمانية الذين نفذوا عملية ميونيخ كانوا من سكان حي عرسان في مخيم صبرا وشاتيلا، وأعضاء بارزين في نادي الكرمل الرياضي، بل ان عدداً منهم كان في عداد فريق كرة القدم المشهور في تلك المرحلة، ويبرر بذلك الاستهداف الصهيوني في ارتكاب المجزرة ضد الجمعية والنادي والحي في الأساس. وينقل المؤلف عن شهادات بعض الناجين ان الاسرائيليين لم يساهموا فقط في تطويق مكان العمليات والسيطرة على التوجيه والمتابعة الميدانية، وإنارة مسرح العمليات في شكل يسمح باستكمال ارتكاب المجزرة وفي استعمال الجرافات لنقل جثث الضحايا الى حفر احدثت خصيصاً لهذا الغرض، بل ان جنوداً نظاميين من الجيش الاسرائيلي اشتركوا في تنفيذ المجزرة، وأن مسرح عملياتهم كان اطراف المخيم، خصوصاً في منطقة الجمعية والنادي وحي عرسان. ولم يسمح الجيش الاسرائيلي لأفراد من الهيئات الطبية، وخصوصاً الاجنبية منها بدخول المخيم، بل اعتقل بعضهم ونقلهم الى اماكن بعيدة من مسرح الحدث. كما لم يسمح لأفراد كانوا يحملون هويات وعلامات الكتائب من الدخول الى المخيم، خصوصاً من المنطقة الممتدة من مستديرة السفارة الكويتية وحتى تقاطع الرحاب، خوفاً من ان يكون بينهم بعض "المندسين" الذين يمكن ان يتحولوا الى شهود ضدهم في المستقبل. * كاتب فلسطيني