القاضي الفرنسي جان لوي بروغيير يهتم منذ التسعينات بملفات الارهاب، وفي حديثه إلى "الحياة" ان احداث 11 أيلول سبتمبر كشفت عن "تهديد بالغ الخطورة"، هو "في طور الانطلاق" وليس عند نقطة النهاية. وقال إن التهديد بعمليات تستهدف الغرب والولاياتالمتحدة، لا يزال قائماً وأن احتمال وقوع عملية كبرى ضد المصالح الأميركية في أوروبا وارد جداً، ولم يستبعد أن تكون هذه العملية على الأراضي الفرنسية لنصيب هدفاً مزدوجاً، أي مصالح أميركية وفرنسا في آن "لأسباب تاريخية، ولأسباب على صلة بفاعلية مكافحة فرنسا للارهاب، مما يجعلها هدفاً محبذاً لدى الاسلاميين". واعتبر ان العمليات التي شهدتها باكستان، وقد تكون مرتبطة ب"القاعدة"، تظهر ان الخطر يبقى قائماً وأن "القاعدة" قادرة على أن تضرب مجدداً. شرح بروغيير ان الاعتقالات التي تمت في فرنسا بعد 11 أيلول شملت أشخاصاً مرتبطين بالفرع الأفغاني من الاسلاميين، وأن هؤلاء أكدوا في التحقيقات خطورة التهديد الذي لا يزال قائماً، خصوصاً أن بعضهم اعتقل في حين أن البعض الآخر لم يعتقل بعد. يعتقد بروغيير أن تمويل العمليات الارهابية يتم مبالغ صغيرة من "نشاطات غير شرعية"، وليس بمبالغ كبيرة تستخدم القنوات الشرعية، لذلك فإن كل الاجراءات التي اتخذت على المستوى الدولي تطاول المبالغ الكبيرة التي تمر بالقنوات المعروفة، لكن التمويل مستمر. ما هي دروس أحداث 11 أيلول سبتمبر بالنسبة إلى الملف القضائي الذي تهتم به، خصوصاً ملف الارهاب؟ - أكدت لنا أحداث 11 أيلول تطور التهديد الارهابي الذي كنا لمسناه منذ العام 1996، ومصدره حركة سلفية اسلامية تجاوزت اطار منطقة المغرب واطار الجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية لتتحول الى تهديد عالمي معمم هدفه شن اعمال ضد الغرب عموماً وضد الولاياتالمتحدة خصوصاً بتوجيه من منظمة "القاعدة". وهذا التهديد كان واضحاً جداً بالنسبة إلينا عام 1999 عند اعتقال أحمد رسام في الولاياتالمتحدة أثناء اعداده للقيام باعتداء في لوس انجليس بمناسبة الاحتفالات بالألفية الثانية. كان ذلك مؤشراً واضحاً إلى رغبة القاعدة بتصدير العنف الى أرض الولاياتالمتحدة. ولدينا في فرنسا منذ 1994 ملفات عن حركات التطرف الاسلامية، ونحن منذ ذلك الحين نتابع تطورها اذ انها استهلت نشاطها في المغرب. فمنذ عملية خطف طائرة "ايرباص"الفرنسية في كانون الأول ديسمبر 1995 من جانب الجماعة الاسلامية المسلحة، ادركنا اهمية منطقة باكستانوافغانستان كونها تؤوي مجموعات تتنقل بين فرنسا والمنطقة. من ثم تعود لانشاء شبكات تابعة لها. كان بعض اعضاء هذه الشبكات يتوجه أايضاً الى جبهات مثل البوسنة وكوسوفو والشيشان. ورأينا عندها ان هناك تأسيساً تدريجياً لتيار دولي يتجاوز اطار المغرب، وتنبثق منه شبكات موزعة أينما كان وهدفها الأساسي ضرب الولاياتالمتحدة ومصالحها في الخارج. وعند حدوث 11 أيلول ماذا رأيتم؟ - كشفت أحداث 11 أيلول عن ارهاب عملاق لم يتصوره أحد وأكدت ان التهديد الارهابي تحول الى حرب حقيقية. فبعد 11 أيلول تضاعفت جهودنا بالطبع كما تضاعف التعاون مع مجمل شركاءنا وكان تعاوننا جيداً أيضاً مع الدول العربية ومنها مثلا الامارات العربية. عملنا على تعميق معلوماتنا واستخدام التقدم الذي أحرزناه في هذا المجال للكشف عن مجمل الشبكات القادرة على مواصلة دعم "القاعدة". ومن المهم بالنسبة إلينا القول بأن التهديد الاسلامي لا يقتصر على "القاعدة" التي تعد منظمة لها بنى وهيكلية محددة، وانما على الحركة التي تقف وراءها والتي يصعب تفكيكها لأنها غير رسمية وتفتقر للهيكلية الواضحة. والأعضاء الذين ينتمون لهذه الحركة يتوزعون على الدول المستهدفة ومنها فرنسا وبريطانيا والمانيا، ومن الصعب مواجهة عدو خفي وغير منظم. ولذا فإن جهودنا تتركز الآن على تحديد ظروف التهديد والكشف عن هذه الشبكات سعياً لابطالها. ولسوء الحظ يمكن القول ان التهديد لا يزال أمامنا وليس وراءنا. فأحداث 11 أيلول كشفت عن تهديد بالغ الخطورة وشكلت نقطة انطلاق لنشاط هذا التهديد وليس نقطة النهاية. هل هناك بين الذين اعتقلوا في فرنسا وأوروبا أشخاص متورطون في احداث 11 أيلول؟ - هذه الاعتقالات كانت مهمة وشملت، منذ 11 أيلول، عشرات الأشخاص من المسؤولين عن الشبكات المرتبطة بالفرع الأفغاني، الذين أكدوا خلال التحقيقات خطورة التهديد الذي أشرت اليه. أتاحت لنا الاعتقالات تعميق معرفتنا بهذه الشبكات لكنها جعلتنا ندرك اننا أمام تهديد مخيف كوننا اعتقلنا البعض في حين لم نتمكن بعد من اعتقال البعض الآخر. هل زرت قاعدة "غوانتانامو" للتحقيق مع المعتقلين فيها؟ - لا لم أزرها. فالمعتقلون هناك تحت سلطة القوات المسلحة الاميركية وهم اذن خارج نطاق القضاء وليس بإمكاننا الوصول اليهم. ما هو تقويمك لوضع الفرنسي زكريا موسوي المعتقل في الولاياتالمتحدة؟ - ان لدى السلطات الاميركية شبهات حول تورطه في عملية مركز التجارة العالمي في نيويورك وليس لي ان أعلق على التهم الموجهة اليه. إلا أن موسوي شخص كنا على علم بانتمائه الى التيار الاسلامي وكان معروفاً لدى الشرطة والاستخبارات الفرنسية، من دون أن يكون متورطاً بأي عملية تحقق بها فرنسا. ونتعاون مع الولاياتالمتحدة بشأن المعلومات التي لدينا عنه. هل ترى ان هناك احتمال لوقوع عملية مماثلة لعملية 11 أيلول في أوروبا؟ - ان مثل هذا الاحتمال غير مستبعد قطعياً بناء للمعلومات التي لدينا. فاحتمال وقوع عملية كبرى في أوروبا ضد المصالح الاميركية وارد جداً، وهناك احتمال لأن تكون هذه العملية ذات هدف مزدوج بحيث تطال مصالح اميركية على الأراضي الفرنسية، لأن فرنسا لأسباب تاريخية ولأسباب على صلة بفاعلية مكافحتها للارهاب تبقى هدفاً محبذاً لدى المتطرفين الاسلاميين. هل تعتقد ان الحرب الاميركية في افغانستان أزالت الخطر الذي يمثله اسامة بن لادن ومنظمته؟ - لا بد من التمييز بين "القاعدة" وبين الحركة الاسلامية التي تساندها. بالنسبة إلى "القاعدة"، فإن الحرب في افغانستان أدت الى تأثير أساسي على تنظيم القاعدة وعلى طالبان، على رغم التساؤل المستمر لدى الجميع عما إذا كان بن لادن لا يزال حياً أم لا. وفي الوقت نفسه، من المؤكد ان بعض أعضاء المنظمة تمكن من الفرار الى كشمير والى المناطق القبلية في باكستان والشيشان والقوقاز. فالعمليات التي شهدتها باكستان وقد تكون مرتبطة ب"القاعدة" تظهر ان الخطر يبقى قائماً وان "القاعدة" قادرة اليوم على أن تضرب مجدداً. إلى جانب ذلك هناك تطور نشأ على هامش منظمة "القاعدة" ويتمثل بالحركة الاسلامية التي تزداد تطرفاً وتزداد اساليبها عنفاً وتضم أشخاصاً غير مرتبطين بالضرورة ب"القاعدة"، بل يتطورون بشكل مستقل عنها خصوصاً في أوروبا. والوعي الأوروبي والغربي عموماً، ليس بالدرجة الكافية التي تتيح اتخاذ اجراءات على المستوى الدولي لمراقبة وضع هذه الحركة وارساء تعاون أكبر مما هو قائم حالياً. كيف يمكن اليوم مراقبة الأموال الخاصة بالشبكات الارهابية؟ - نعلم ان تمويل العمليات الارهابية ودعم الارهاب يتم بفضل مبالغ صغيرة ونشاطات غير شرعية وليس عبر مبالغ كبيرة تستخدم القنوات المالية الشرعية. وكل الاجراءات التي اتخذت على المستوى الدولي لا يمكن أن تطال المبالغ الكبيرة التي تمر عبر القنوات المعروفة. ولكننا اليوم نعرف ان اعمال السطو والسرقة وخصوصاً الاستخدام غير الشرعي لبطاقات ائتمان مزورة، خصوصاً في الدول الانغلوسكسونية حيث هذه البطاقات غير مزودة بنظام الحماية الالكترونية بخلاف فرنسا، تتيح جمع مبالغ مهمة كفيلة بتغطية الاحتياجات اللوجيستية لهذه الشبكات. ولذا فليست هناك أي سيطرة على هذا التمويل لأنه مبعثر جداً ومتعدد المصادر، وهذا ما يشكل مصدر قلق حقيقي لدينا. هل تعتقد ان المجموعات الجزائرية التي نفذت اعتداءات في فرنسا، شكلت مصدر وحي ل"القاعدة" أم أن لا علاقة بين الاثنتين؟ - ان المنظمات التي نفذت العمليات الارهابية في فرنسا في 1994 و1995 انتمت الى التيار السلفي ومنها الجماعة الاسلامية المسلحة، التي كانت مرتبطة بالظرف السياسي الداخلي في الجزائر. اعتقد ان "القاعدة" التي لم تكن لها اهمية في حينه لم تتعلم من هذه الشبكات. ولكن المهم هو انه بعد سنة 1995 أي بعد انتهاء حركة جمال زيتوني، وصعود حسن حطاب، فإن الاعضاء الأكثر تطرفاً في الحركة الذين كانوا تدربوا سابقاً في افغانستان، غادروا هذه الحركة وتوجهوا مجدداً الى افغانستانوباكستان حيث انضموا الى التيار الاسلامي الافغاني المتطرف وإلى "القاعدة". ومما لا شك فيه ان هؤلاء الأشخاص قدموا للتيار الاسلامي و"القاعدة" خبراتهم خصوصاً أن بعضهم كان تدرب في البوسنة.