هناك حمّى تلفزيونية تكاد تسيطر على غالبية المحطات الفضائية، تحديداً برامج الألعاب والمعلومات، ناتجة أولاً وأخيراً من نجاح "من سيربح المليون" على شاشة "أم بي سي". كأن كل تلك المحطات كانت تجهل وجود برامج المسابقات في المعلومات، ولا تعلم في أمر الجوائز المادية الكبيرة شيئاً، حتى جاء "من سيربح المليون" فأدار الرؤوس دورات عدّة، وإذا ببرامج لا تحصى تنطلق هنا وهناك وهنالك وكلّها في مبارزة مع "من سيربح المليون" ولو لم تقل ذلك، وكلّها تريد ان تخلق منافسين لجورج قرداحي. ولكن من دون جدوى حتى الآن. لم يأت نجاح جورج قرداحي في برنامجه من هباء، بل من مواصفات عدّة لم تكن متوافرة في غيره من الذين صوّروا حلقات من هذا البرنامج قبل ان يرسو الخيار على قرداحي. وبعض أولئك هم من الأسماء الفنية العربية الكبيرة. غير ان الاسم الناجح في التمثيل أو في غير ذلك من الفنون ليس بالضرورة ناجحاً في تقديم البرامج، بل أحياناً قد يكون اسم ذلك الممثل الكبير معرّضاً للاهتزاز إذا ما دخل تلك التجربة البرامجية وفشل. نجاح جورج قرداحي كمقدّم برنامج "من سيربح المليون" فاق التوقعات، وأصاب "أم بي سي" ما يصيب شخصاً يبحث في أرضه عن ماء فإذا به يحصل على ذهب. من أسباب نجاح جورج قرداحي، فضلاً عن الوسامة، والصوت الممتاز، اسلوبه في التعامل مع المشتركين، وتعليقاته المنضبطة على مزاجٍ محترف يدرك اسرار اللعبة ويتقن أين يتقدّم وأين يتروّى وأين يزيد "دوز" النكهة العفوية وأين يلجم الملاحظات وأين يطلقها مع المشتركين الذين لا نظن ان أحداً منهم شارك في البرنامج وخرج يحمل انطباعاً سلبياً عنه كمقدّم برنامج، حتى أولئك الذين بدا ان جورج يعمد الى الرقص على أعصابهم، ولكن بلطف وذوق. هذه المواصفات الاستثنائية التي تمكّن منها جورج قرداحي فتحت له باب الشهرة التلفزيونية الكبيرة في ما اعتبره بعض المتابعين فرصته الذهبية بعد خمسة وعشرين عاماً من العمل في الإعلام، وقد كانت فرصة غاية في الأهمية، وفي التأثير، وفي تجاوز الحدود المألوفة لنجاح ما يُعرف بالبرامج الخاصة بالمسابقات في التلفزيونات العربية. هذا النجاح الباهر حرّض بقية المحطات الفضائية على استنساخ "من سيربح المليون" بأي شكل كان، وبأي مضمون كان، وبأي أسلوب كان. حتى ان محطة كبرى مثل "ال بي سي"، لم تكتفِ بأن اشترت حقوق اعادة انتاج برنامج مسابقات عالمي لتقدمه على شاشتها، بل اختارت لتقديمه المذيع مارسيل غانم الذي اشتهر في برنامجه السياسي "كلام الناس". فكأن "ال بي سي" أرادت ان تكلّف مذيعاً سياسياً تماماً كما فعلت "أم بي سي" باستحضار مذيع سياسي هو قرداحي، معتقدةً "ال بي سي" ان ذلك قد يعطي دفعاً معنوياً لبرنامجها "يا قاتل يا مقتول" من دون ان تدري ان هذه الخطوة قد تكلّفها بهتان صورة مارسيل غانم كمذيع ناجح في البرنامج السياسي المعروف، وقد حصل ذلك عبر ردود الفعل السلبية الكثيرة التي قارن فيها الجمهور لا ارادياً بين غانم وقرداحي، فكان شعورٌ بأن غانم انما يحاكي قرداحي ولا يقدّم نموذجاً خاصاً به في تقديم "يا قاتل يا مقتول"... وتالياً فإن الآمال التي وضعت على "يا قاتل يا مقتول" لم تكن واقعية بقدر ما خضعت لتقديرات خاطئة كان ضحيتها مارسيل غانم الذي يحاول في هذه المرحلة استيعاب الصدمة من دون ان يعرف الى أين سينتهي به المطاف في البرنامج. أما محطة "أم تي في" اللبنانية فقد اشترت حقوق اعادة انتاج البرنامج نفسه الذي يقدمه قرداحي من المحطة العالمية التي تعرضه، وتم اختيار مذيع كان يقدم قبل سنتين فيها برنامج العاب وتسلية مع جمهور في صالة مسرح هو سيرج زرقا، وعرضت برنامجها بعنوان "لمين الملايين". وإذا كان الجمهور قارن بين جورج قرداحي ومارسيل غانم، وكل منهما يقدم برنامجاً مختلفاً عن الآخر وكانت النتيجة لمصلحة قرداحي، فكيف سيكون الحال مع سيرج زرقا الذي يقدّم البرنامج ذاته الذي يقدّمه قرداحي في "أم بي سي"؟ انها مقارنة أوقعت زرقا في محاولة ارتداء قناع قرداحي ب"القوة"! ويحاول سيرج زرقا اليوم تخليص نفسه من صورة مرتدي قناع جورج قرداحي ومن الصعب ان يفلح، وسط اكثر من معطى وأكثر من تفصيل وأكثر من سلوك يذكّر مشاهدي برنامج "لمين الملايين" ببرنامج "من سيربح المليون" بكل ما فيه جملة وتفصيلاً وعلى طريقة النسخ والتقليد والتكرار. أما فضائية "أبو ظبي" فقد اختارت الممثل السوري أيمن زيدان لتقديم برنامج العاب مماثل بعنوان "وزنك ذهب"، وقد اعتمدت على نجاح الحلقة التي استضافت أيمن زيدان في برنامج "من سيربح المليون"، وربما لا يكون هذا التقدير مصيباً لأن استضافة ممثل ظريف في حلقة تلفزيونية هي غير استضافة هذا الممثل كمقدم في كل حلقات برنامج تلفزيوني، والظرف له حدود في تقديم البرامج، على رغم ان أيمن زيدان يسعى الى ابتكار خصوصية ادائية في البرنامج تسمح له بألاّ يقارن بجورج قرداحي. ثمة في الأفق التلفزيوني ما يشير الى ان برامج الألعاب في الفضائيات العربية انهت مرحلة وبدأت مرحلة أخرى عنوانها... جورج قرداحي.