استعانة المحطات التلفزيونية بأسماء من خارج ملاكها التقليدي بات امراً شائعاً، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي شهدت دخول الممثلين وملكات الجمال الى حقل العمل التلفزيوني ولو بصفة مقدمي برامج. كأن هناك اتفاقاً على ان الطرفين يستفيدان بعضهما من بعض بنسبة متساوية او متفاوتة. والأغلب ان هذه النسبة تميل لمصلحة التلفزيون الذي يراهن على شهرة الممثل ورصيده الجماهيري الذي كونه على مدى مسلسلات وأفلام كثيرة. وبمعنى آخر فالممثل يأتي الى التلفزيون جاهزاً، يأتي ساحباً خلفه، اضافة الى نجوميته، خبرة كافية امام الكاميرا ولكن مقدماً ومذيعاً هذه المرة. ولكن التقديم نفسه ليس اضافة عادية الى رصيد الممثل. التقديم يتيح له مخاطبة الجمهور بطريقة اخرى، بشخصيته الحقيقية التي توضع خفة دمها او حضورها الشخصي والثقافي على محك آخر وهو شد المشاهدين الى البرنامج الذي يقدمه، وهذا الاختبار لم يحدث في الشكل المطلوب لأن هؤلاء غالباً ما أتوا ليقدموا برامج مسابقات وألعاب أو أغاني ومقابلات فنية خفيفة... وهذه البرامج هي على اية حال، بضاعة التلفزيون المفضلة عند معظم المحطات. هكذا رحنا نتابع نورما نعوم ملكة جمال لبنان وهي تقدم برنامج "ستوديو الفن" الذي يعده سيمون اسمر لمحطة LBC، والملكة الأخرى نسرين نصر وهي تقدم، بمشاركة شربل زيادة، على شاشة المستقبل، برنامج "يا عمري"، والوصيفة السابقة نتالي معماري وهي تقدم "ميوزيكانا" على محطة MBC... هذا بالنسبة الى الجميلات اللواتي كان جمالهن جواز مرورهن الأول والأهم للعبور الى عالم التلفزيون الذي تمثل فيه اطلالة المقدم شيئاً اساسياً لنجاحه. اما بالنسبة الى الممثلين فالأمر مختلف. الجمال ليس المعيار الأهم هنا. ثمة خلطة سرية مطلوبة لكي يصلح ممثل بعينه لتقديم برنامج ما. وهذه الخلطة لا بد من ان تقنع ادارة المحطة التلفزيونية اولاً. ولكن الملاحظة البارزة في هذا السياق هي ان الممثلين وقعوا في مطب تقليد المذيعين. صحيح انهم اضافوا شيئاً جديداً ولكنهم ظلوا مقيدين بفكرة التقديم، وهذا ما جعل رصيدهم الفني والثقافي يبقى في الخلف بينما تقدمت الى الأمام خفة الدم. وهذا ما ينطبق على الممثل السوري باسم ياخور الذي يتقاسم المذيعة ريما مكتبي تقديم برنامج "ليلة انس" على شاشة المستقبل. الأرجح ان جورج قرداحي شكل النموذج الأبرز، ليس لانتقال الممثلين الى التقديم التلفزيوني فقط، بل لترويج صورة مختلفة عن المذيع او المقدم، صورة تعتمد الرزانة والهدوء والإطلالة الرجولية. وهي صفات كان التلفزيون ينبذها في الفترة الأخيرة إذ كان من الممكن ان ينال المقدم ميشال قزي جائزة افضل مقدم برامج مثلاً. جورج قرداحي وعلى رغم انه اختير لتقديم برنامج مسابقات اضاف الكثير وغيّر من طبيعة هذا النوع من البرامج وساعده في ذلك ان النسخة الأصلية لبرنامج "من سيربح المليون" ذات طبيعة راقية تعتمد على الثقافة والتحصيل العلمي والمعلوماتي. وهذا، على الأرجح، ما جعل اختيار تلفزيون "ابو ظبي" يقع على الممثل ايمن زيدان لتقديم برنامج "وزنك ذهب". لقد اختير ايمن زيدان ليس لأنه ممثل ناجح ونجم تلفزيوني فقط بل لأنه يمتلك حضوراً رجولياً رصيناً وإن كان لا يوازي النجاح الذي حققه قرداحي. أشاع قرداحي هذا النموذج وبات مطلوباً اكثر من نموذج المقدم الضاحك والراقص وهذا ينطبق ايضاً على مارسيل غانم المتخصص في البرامج الحوارية السياسية. تم اختياره من محطة LBC لأنه يشبه هذا النموذج لتقديم برنامج المسابقات GREED وتمت الاستعانة بمقدم برامج سياسية لكي يقارب نموذج المقدم الرصين الذي يلعب على حضوره الطبيعي، وليس على الاستعراض والتنكيت. في النهاية التلفزيون هو الذي كسب اكثر ولكنه كسب، في الوقت نفسه، الرصانة والحضور والثقافة وهي صفات كان رصيدها قليلاً في المخيلة التلفزيونية.