"أعيش هنا غصباً عني" نتيجة خلصت إليها نهلة في وصفها حياتها في لبنان. استقرت نهلة في بيروت منذ سبع سنوات، بعد إقامة سبعة عشر عاماً في بلد أفريقي. اضطرت الى العودة مع أولادها لتؤمن لهم التعليم المناسب، وبقي زوجها هناك. رجعت وأفكار مسبقة "سلبية" تملأ رأسها عن بلدها "هذا الغول الذي سيبتلع أولادي"، وعن ناسه هؤلاء "المتعالون، المغرورون، الذين لا يهتمون إلا بالمظاهر". وعلى رغم حجم لبنان "الصغير" مقارنة بالبلد الأفريقي "الضخم" الذي قدمت منه، فإن لبنان هو ما يمثل بالنسبة اليها "البلد الكبير" حيث لن يعرف أولادها كيفية التصرف فيه، وحيث سيكون "إمكان خداعهم سهلاً في هذا الجو المفتوح والمختلف عن جو الحماية التي تفرضها ظروف الحياة في أفريقيا". أما هي التي لا تهتم "بالذهب واللبس والسيارات" فقد خمنت أن تأقلمها مع هذا "المجتمع الجديد" لن يتم. ظلت نهلة سنتين "ضائعة" وتتذكر: "كنت أبكي يومياً، أرغب بالعودة. وأجلس ساعات كالبلهاء لا أفعل شيئاً. لم أستطع التأقلم. كثر عادوا وأحبوا العيش هنا ولكن أنا لا! يمكن لأنني حساسة جداً. لا صداقات حقيقية هنا. أحب بساطة الأفارقة. لا خبث ولا لؤم عندهم. الآن، إذا خرب شيء في بيتي لا أصلحه، لقد خدعت مرات كثيرة". على عاتق نهلة "مسؤولية ثقيلة" تتحملها بمفردها. وربما كان هذا ما يجعل من التأقلم أمراً عسيراً... رفضها لحياتها في لبنان لم يقف حائلاً أمام انغماسها في بعض النشاطات كالرسم واليوغا، وعقدها بعض الصداقات ولكن... "نشاطاتي، كأنني أجبر نفسي عليها وسعادتي فيها وقتية تنتهي بمجرد الانتهاء منها، هي لا تترك أثراً في حياتي. أما صديقاتي، فدائماً ممن كن يعشن خارج لبنان". فالعلاقات هنا لا تتسم ب"الوضوح والبساطة". أمران تبحث عنهما. وفي جميع الأحوال ومهما فعلت فإن "مخي يظل هناك" بحسب تعبيرها. هناك حيث تختفي جميع أمراضها عندما تعود من وقت لآخر. تتسلى نهلة يومياً ب"الهرب" من بيتها الفارغ. فلأولادها الشباب حياتهم خارجه. ويساورها شعور ب"الإحباط والاكتئاب" عند العودة عصراً. وتتأسف: "في أفريقيا كنا عائلة واحدة. نجتمع دائماً. لقد تفرقنا هنا". وترى نهلة في اعتيادها على البقاء وحيدة في غرفة الجلوس وعدم احتمالها جلوس أحد معها أمراً "محبطاً". وعلى رغم وصفها شخصيتها ب"الإيجابية" في شكل عام، فإن "سلبيتها" تتجلى برأيها في هذا "الشعور بالرفض الذي لا يمر" بل يستقر فيها "يتملكني حنيني إلى الماضي. حين غادرت إلى أفريقيا للمرة الأولى، تملكني الشعور نفسه، لكنه تركني بسرعة. وهو الآن لا يدعني هنا على رغم مرور السنين". حققت نهلة "تقدماً على الصعيد الشخصي" من خلال رسومها ومشاركتها في بعض المعارض، ويدفعها ذلك للتساؤل عن مكان العيش المناسب لها: "لا أعرف إن كنت سأتغير إذا أقام زوجي هنا. ولا أقدر أن أخمن إن كان في مقدوري العودة للعيش هناك، فلا يمكن الرجوع الى الوراء. وحياة أولادي هنا. لكن بالنسبة إلي، لا أدري أين هي حياتي؟". ندى الأزهري