في وقت يحلم فيه كثير من التونسيين بمغادرة بلادهم والبحث عن فرص أخرى في الخارج، يقرر سنوياً عدد كبير من الأجانب الاستقرار فيها سواء للعمل أو الدراسة أو لأسباب شخصية، وبحسب إحصائيات رسمية تأتي الجالية الليبية في الصدارة بأكثر من 100 ألف ليبي يقيمون في تونس حالياً، هرباً من الصراع الدائر في بلادهم، بينما يأتي الفرنسيون ثم الإيطاليون في مقدم الجاليات الغربية التي يقيم أبناؤها في تونس، بحوالى خمسين ألفاً. في محافظة نابل، شرق العاصمة التونسية، تقول سوزان وهي أربعينية ألمانية، إنها اختارت مغادرة بلادها طواعية قبل 7 سنوات هرباً من الأزمات النفسية التي لاحقتها بعد طلاقها الثاني. وتضيف أنها هربت من برد ألمانيا إلى دفء تونس، حيث وجدت فيها ما لم تجده في بلدها الأم. وتتابع: «صحيح أننا في ألمانيا نعيش في مستوى مادي محترم، لكننا نفتقد إلى العلاقات الإنسانية الحميمة. بعد طلاقي الثاني قررت تمضية بضعة أيام في بلد سياحي فاخترت تونس، ثم قررت الاستقرار نهائياً هنا على رغم الصعوبات التي واجهتني في التأقلم». تروي سوزان أنها تعمل «في ميدان تجميل الأظافر، ولدي الكثير من الأصدقاء التونسيين، ولم أزر بلدي منذ سبع سنوات. أحب الأكلات الشعبية التونسية، والمناسبات. وأسبوعياً اذهب إلى عائلة تونسية في الجنوب هي بمثابة عائلتي وأمضي بين أفرادها بعض الأيام، تخلصت نهائياً من أي شعور بالغربة، وعادة أنصح أصدقائي الألمان بالمجيء إلى تونس والتمتع بطقسها وطيبة شعبها». وفي الكنيسة المسيحية في تونس يعمل أندريا، خمسيني إيطالي، متطوعاً في مؤسسة التعليم التابعة لها، ويقول إنه يعشق عمله على رغم ابتعاده من بلده الأم، «فأنا أعيش هنا منذ أربع سنوات، لم أختر المجيء إلى تونس، إنما تم إرسالي من قبل المؤسسة التي أعمل فيها، ولدى وصولي لم ألاحظ أي اختلاف بين تونس وبين مدن الجنوب الإيطالي، ووجدت الجو المتوسطي وحرارة الناس هنا ولم أجد أي صعوبة في الاندماج لهذا قررت البقاء لعام آخر لأن المناخ أعجبني وكونت صداقات كثيرة هنا». ويضيف أندريا أنه تعوّد على تقاليد التونسيين مثل صوم رمضان والاحتفال بالأعياد، وصار يشاركهم احتفالاتهم وأحياناً الصوم. وجغرافياً، يعيش الأجانب المقيمون في تونس، في المناطق الساحلية غالباً مثل نابل وسوسة وسيدي بوسعيد، وتتوافد سنوياً إلى تونس جالية أفريقية كبيرة من أجل الدراسة، مثل يوسف الذي جاء من السنغال ليجد نفسه مجبراً على العمل في أحد المطاعم الشعبية. ويقول: «أتيت للدراسة في تونس بحكم وجود الكثير من أصدقائي هنا، لكنني فوجئت بغلاء تكاليف المعيشة ورسوم الدراسة، فقررت العمل لربح بعض المال. أحاول التأقلم هنا منذ مجيئي قبل ثلاث سنوات على رغم عنصرية بعض التونسيين تجاه أبناء بعض الجنسيات. وهذه العنصرية وصلت إلى حد استعمال العنف حين انهزم المنتخب التونسي في ربع نهائي كأس أفريقيا، حين تم الاعتداء على عدد كبير من الأفارقة في البلاد». وقرر يوسف العودة إلى بلده بعد انتهاء أعوام الدراسة الأربعة، بحثاً عن فرصة عمل. ويشير إلى عدم انفتاح المؤسسات التونسية على العمالة الأفريقية واقتصارها على عمالة تونسية ومغاربية أحياناً. ويقول إنه سيغادر تونس بكثير من الحب، لكن أيضاً ببعض النقاط السوداء التي علقت في مخيلته بسبب عنصرية البعض. لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأجانب الموجودين في تونس، لكن بعض الإحصائيات تشير إلى اقتراب عددهم من 250 ألفاً.