نشبت خلافات حادة في المجلس التشريعي الفلسطيني أمس بين عدد من "نواب الحكومة" و"معارضيها" في شأن جملة من القضايا أبرزها منح الثقة للحكومة الجديدة أو حجبها عنها. وتجادل النواب خلال الجلسة التي عقدت في مقري المجلس الموقتين في رام اللهوغزة عبر تقنية الدائرة التلفزيونية المغلقة فيديو كونفرنس هل الحكومة التي أعلنها وزير الثقافة والإعلام ياسر عبد ربه في التاسع من حزيران يونيو الماضي دستورية وشرعية، وهل تشكيلها يعد تعديلاً وزارياً أم انها حكومة جديدة، وهل التغيير جوهري أم شكلي، اضافة الى قضايا أخرى مثل الفساد والانتخابات العامة والتشريعية والبلدية. دار خلاف استغرق وقتاً طويلاً خلال اجتماع المجلس التشريعي الفلسطيني في شأن جدول الأعمال الذي أعدته مسبقاً أمانة سر المجلس ووزعته على النواب وتضمن ست نقاط تتمثل في الافتتاحية، وإقرار محاضر الاجتماعات السابقة، والوضع السياسي الحالي، ومتابعة قرارات المجلس في جلسته السابقة، ومشاريع القوانين. وبعد جدال دام نحو ساعة ونصف ساعة، قرر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي إبراهيم أبو النجا الذي أدار الجلسة من غزة بسبب توعك صحة رئيس المجلس احمد قريع أبو العلاء وتغيبه، إجراء تصويت على اقتراح قدمه احد النواب بشأن هل يجب البدء في مناقشة مسألة تشكيل الحكومة أم مناقشة الوضع السياسي الحالي؟ وسقط الخيار الثاني لمصلحة الأول بغالبية 22 صوتاً. وهنا اعترض الأمين العام للرئاسة الطيب عبدالرحيم الذي قال انه يجب توافر برنامج للحكومة لمناقشته في المجلس، اضافة الى ضرورة حضور غالبية النواب، الأمر الذي رد عليه النائب عزمي الشعيبي بالقول ان من حق المجلس مناقشة تشكيل الحكومة، في حين ان حجب الثقة عنها أو منحها إياها يحتاج إلى جلسة خاصة بذلك. وأشار أبو النجا إلى انه لم يصل الى المجلس حتى الآن أي مرسوم رئاسي يفيد بتشكيل الحكومة. وكان عبد ربه أعلن في مؤتمر صحافي عقده في رام الله في التاسع من حزيران الماضي تشكيل حكومة جديدة من 21 وزيراً، أعلن أسماء 20 منهم باستثناء وزير الأوقاف والشؤون الدينية. وينص القانون الأساسي الدستور الموقت انه يجب عرض الحكومة على المجلس لنيل الثقة في أول جلسة يعقدها بعد تشكيلها، الأمر الذي لم يتم منذ ذلك الحين بسبب الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية، اضافة الى رفض الرئيس ياسر عرفات عرض الحكومة على المجلس، متذرعاً بأن ما أجراه هو تعديل وزاري لا يحتاج الى نيل الثقة من المجلس كما هي الحال مع حكومة جديدة. وناقش النواب هذه النقطة وخلصوا إلى أن الحكومة جديدة، ويجب عرضها على المجلس لنيل الثقة في جلسة، ستعقد لهذا الغرض مطلع الشهر المقبل. وكان من المفترض أن تكون جلسة امس لهذا الغرض، إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت منح نواب قطاع غزة التصاريح اللازمة للتوجه إلى مدينة رام الله لحضور الجلسة ما استدعى تأجيل عقدها. وعلى رغم أن التصويت حصر النقاش في مسألة تشكيل الحكومة التي اعتبرها عدد من النواب "غير دستورية"، فيما رفض عدد آخر منهم وصفها بأنها "غير شرعية"، إلا أن النقاش ذهب إلى قضايا الفساد وتغييب المجلس التشريعي والاستخفاف به والقيادة الفردية وتفاهم "غزة - بيت لحم أولاً". واعتبر النائب عن دائرة الخليل محمد حوراني أن "تغييب المجلس التشريعي من جهات لم يسمها سياسة ممنهجة ودائمة الحضور وتنقلنا من خراب إلى خراب"، مشيراً إلى "غياب القيادة الجماعية وتكريس القيادة الفردية". وشدد على أن "القائد الفرد مهما بلغت عبقريته يقود جماعته إلى خراب"، معتبراً أن "من لا يحترم السلطة التشريعية يستخف بالشعب كله". واعتبر النائب عن دائرة غزة مروان كنفاني انه "كان يجب على الحكومة أن تأخذ بوثيقة الإصلاح التي وضعها المجلس في حزيران الماضي بدلاً من التوجه إلى جهات خارجية"، مشيراً إلى أن "المجلس لفت نظر الرئيس إلى ضرورة إشراك المجلس التشريعي في الحياة السياسية". واستعرض الشعيبي قبل أن ينغمس في مشادة مع الوزير السابق حسن عصفور، الخروق القانونية للرئيس عرفات، مثل إشراك عدد من الوزراء في الحكومة اكبر من المنصوص عليه في الدستور 19وزيراً وتعيين وزراء سابقين ونواب على رأس هيئات وسلطات تنفيذية خلافاً للائحة الداخلية للمجلس، داعياً إلى تحديد جلسة للمجلس لعرض الحكومة عليه للثقة. وجاءت أقسى الاتهامات من النائب عن دائرة رام الله الوزير السابق عبدالجواد صالح الذي اتهم بعض الوزراء في الحكومة الحالية ممن شاركوا في الحكومة السابقة بأنهم دينوا بالفساد، مقدماً اقتراحاً بأن تكون "الجلسة لحجب الثقة عن الحكومة، خصوصاَ بعدما عقدت تفاهمات أمنية ضد مصلحة الشعب الفلسطيني ولحفظ أمن الإسرائيليين متجاهلة الاغتيالات والقتل والتدمير". واعتبر وزير الحكم المحلي الدكتور صائب عريقات ووزير الأشغال والإسكان عزام الاحمد أن عملية الإصلاح قطعت شوطا طويلا. ووصفها عريقات بأنها اصلاحات فلسطينية نابعة من المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وذلك ردا على اتهامات عدد من النواب بان رأي الشعب غير مأخوذ في الاعتبار الذي أولته السلطة لجهات خارجية. وفي ختام الجلسة أعلن أبو النجا أن المجلس في حال انعقاد دائم، وطالب الحكومة بإرسال مذكرة إلى المجلس قبل الأحد المقبل تتحدث فيها عن التشكيل الوزاري الجديد، إضافة إلى تهيئة الظروف لعقد جلسة يحضرها كل أعضاء المجلس إما في رام الله أو غزة، فضلاً عن تقديم برنامجها للمجلس لمناقشته ومن ثم منحها الثقة أو حجبها عنها. وأخيراً أكد أبو النجا ضرورة أن تعقد الجلسة الأحد المقبل.