غدت المافيا الروسية مصدر قلق لدى كثير من دول العالم، بعدما امتد نشاطها ليشمل كل القارات، ويغطي كل قطاعات الجريمة، من كارتل المخدرات في كولومبيا وتهريب الأسلحة إلى افريقيا، إلى الاتجار بأعضاء الأطفال في أوروبا. ويؤكد خبراء غربيون أن أي بنية اجرامية في العالم لم تصل إلى هذا الحد من النفوذ في بلد غني بالموارد الطبيعية. وتزايد نفوذ المافيا الروسية، خصوصاً بعد عمليات الخصخصة العشوائية بداية التسعينات عندما التقت مصالحها مع مصالح مراكز القوى المالية التي نهبت روسيا وسيطرت على مفاصل الحكم فيها. وسعى الطرفان إلى توطيد التحالف بينهما بكل الوسائل، ولعل أبرز مثال هو زواج أوليغ ديريباسك الذي كان يطلق عليه "مسلك الألومنيوم" من ابنة مدير الديوان الرئاسي فالنتين يوماشيف، وهو أحد أبرز أعضاء "العائلة" التي كانت تدير شؤون روسيا في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسن. كما أنه كان الزوج الثاني لابنة يلتسن، تاتيانا التي لعبت مع البليونير اليهودي بوريس بيريزوفسكي الدور المفصلي في "العائلة". لكن نشاط المافيا الروسية لم يقف عند حدود الاتحاد السوفياتي السابق، بل تعداه إلى كل القارات، ولم يقتصر على المجالات التقليدية للجريمة المنظمة، مثل تهريب الموارد الطبيعية والدعارة والمخدرات وتجارة الأسلحة، بل تعدى ذلك إلى القطع الفنية النادرة والتجسس العلمي، وصولاً إلى الاتجار بأعضاء الأطفال. وتفيد معطيات أوردتها صحيفة "بانوراما" الايطالية، ان المافيا الروسية خطفت خلال السنوات الأخيرة وقتلت مئات من الأطفال المشردين، بهدف بيع أعضائهم في أوروبا. وتحقق الأجهزة الأمنية الألمانية الآن في عمليات تبييض أموال هذه التجارة داخل المانيا. وأكد الخبير في شؤون المافيا الروسية مارك غاليوتي لنشرة "جينز انتليجنس" ان الروس "يعقدون صفقات مع أي كان"، وهناك بعض أفراد هذه المافيا الذين ساعدوا تنظيم "القاعدة" في الحصول على أسلحة للمتمردين الشيشان. وكان القضاء البلجيكي اشتبه في تورط الروسي فيكتور بوت بتسليم أسلحة إلى "القاعدة"، كما يشتبه في أن بوت، وهو ضابط سابق في سلاح الجو السوفياتي، سلم أسلحة وذخائر إلى حركات التمرد الافريقية في سييراليون والسودان وغيرهما. وتتميز المافيا الروسية عن البنى الاجرامية المعروفة في أميركا اللاتينية أو اليابان بأنها لا تقوم على بناء هرمي وتدرج دقيق في المراتب. ويشير خبير أمني روسي، إلى أن الهيكلية في هذه المافيا شديدة المرونة والاجراءات فيها لا تخضع لمعايير قاسية ما يجعل مهمة ملاحقتها صعبة ويزيد خطورتها. لكن هذه الهيكلية لا تخلو من تداخل، فهناك مسؤولون عن النشاطات في الدول والمناطق، وهناك أجهزة خاصة مهمتها السيطرة على قطاعات الجريمة، من تجارة السلاح إلى الدعارة وغسل الأموال. وداخل المافيا تنظيم خاص مهمته تأمين التفاصيل المعيشية لأعضائها، من الأمن إلى الضمانات المالية إلى ملاحقة الخونة. أما "القوات المسلحة" التابعة للمافيا، فلا تتألف من قتلة محترفين فحسب، بل ان جزءاً كبيراً منها يضم أعضاء سابقين في الداخلية والأجهزة الأمنية المختلفة. ويشير الخبير إلى أن هذه "القوات" يحق لها أن تفخر بكونها لم تواجه حتى الآن فشلاً ذريعاً في تنفيذ مهماتها، وتمكنت من دون ارتكاب أخطاء فادحة من "ازاحة" مئات الأشخاص، بينهم أعضاء في البرلمان وصحافيون ورجال قضاء واقتصاد ومال. وتجتمع الأجنحة الاجرامية للمافيا في حفلات أعياد ميلاد أو زواج بريئة المظهر، وغالباً ما تعقد هذه الاجتماعات خارج روسيا، في أماكن مثل براغ أو فيينا أو تل أبيب التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مركز أساسي لنشاط المافيا الروسية. وتنجز خلال هذه الاجتماعات تسوية المشكلات الداخلية والتنسيق للعمليات والخطط داخل روسيا وخارجها.