على رغم أن الرئيس بوريس يلتسن أعلن أنه منح رئيس وزرائه الشاب سيرغي كيريينكو 35 عاماً سلطات لصنع القرار أوسع من تلك التي كان منحها لسلفه المخضرم فيكتور تشيرنوميردين، إلا ان الناطق باسم الكرملين سيرغي ياسترجيمبسكي حرص على أن يؤكد أن يلتسن، وليس الحفنة النافذة من مستشاريه، هو الذي يصنع القرار السياسي ويتخذه ويعلنه. والحرص على تذكير مَن يهمه الأمر بمَن هو المسؤول الحقيقي أمر ضروري وأساسي في روسيا اليلتسنية التي تتحرك فيها التحالفات ومراكز النفوذ السياسية كما تتحرك الكثبان الرملية. فقوي اليوم يصبح ضعيفاً غداً، والمغمور نجماً لامعاً بين عشية وضحاها. في السياق ذاته، تضم حكومة كيريينكو معظم الوزراء السابقين، منهم كثيرون محسوبون على وزير المال السابق الاصلاحي أناتولي تشوبايس، الذي كان يلتسن ضحى به تحت ضغوط خصومه الشيوعيين والقوميين في البرلمان، ثم عاد فعيّنه قبل أيام مسؤولاً عن شبكة الكهرباء الموحدة. وهذا المنصب يجعل تشوبايس مسؤولاً عن موارد تقدر ببلايين الدولارات. علماً أن الوزير الجديد المسؤول عن الخصخصة، فريد عزيزالله تتاري، محسوب أيضاً على تشوبايس الذي كان أشرف عبر هذا المنصب على أكبر عمليات خصخصة في العالم. وماذا عن بوريس بيريزوفسكي؟ وهذا من أكبر أثرياء روسيا الجديدة، ولعب بنفوذه المالي دوراً مهماً في إنجاح الحملة الانتخابية الأخيرة، قبل سنتين، ليلتسن الذي عينه نائباً لرئيس مجلس الأمن القومي بعدما أطاح رئيسه الجنرال السابق ألكسندر ليببد. ولكن سرعان ما زعل الرئيس من بيريزوفسكي فعزله من المنصب قبل شهرين. وطبعاً أدى إقصاء ليبيد قبل ذلك الى جعله وبيريزوفسكي عدوين لدودين، ولكن الى حين، كما أظهرت الانتخابات الاخيرة لمنصب حاكم مقاطعة كراسنويارسك السيبيرية. وستُجرى الجولة الثانية لهذه الانتخابات في 17 من الشهر الجاري بعدما حصل ليبيد في الجولة الأولى على 45 في المئة من الأصوات مقابل 35 في المئة لمنافسه الحاكم الحالي فاليري زوبوف المدعوم بقوة من الكرملين. خاض ليبيد انتخابات كراسنويارسك ضد جبهة واسعة ضمت زوبوف والكرملين ورئيس بلدية موسكو النافذ يوري لوجكوف أحد الطامحين الى رئاسة روسيا في العام 2000 والشيوعيين، وحتى الزعيم القومي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي. وهو دحرهم كلهم ويتوقع ان يفوز بالمنصب في الجولة الثانية. ومَن دعم ليبيد بقوة؟ عدوه اللدود السابق بيريزوفسكي الذي ساهم في الحملة الانتخابية بمبلغ مليوني دولار! لماذا؟ هناك "نظريات" عدة. واحدة مفادها أن بيريزوفسكي أراد الانتقام من يلتسن. وأخرى تفيد بأن بيريزوفسكي يفضل ليبيد حاكماً لكراسنويارسك على ليبيد رئيساً لروسيا. وثالثة تشير الى بعد نظر بيريزوفسكي الذي يفضل أن يعزز انتخاب ليبيد فرصته لخوض انتخابات الرئاسة في العام 2000، ما يمكن أن يقلل فرص لوجكوف فيها، وبالتالي فوز مرشح ثالث. في أي حال لم يعد أحد، وهذا يشمل يلتسن، يستطيع أن يتجاهل بيريزوفسكي، خصوصاً بعدما استطاع أن يقنع قبل أيام 12 رئيساً للدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة الجمهوريات السوفياتية السابقة بانتخابه سكرتيراً عاماً لهذه المنظمة التي ستوفر له منبراً سياسياً ومالياً مهماً تعزز موقعه كمركز للقوة في موسكو. هذا هو الوضع طبعاً حتى التحرك الجديد لكثبان السياسية الروسية.