هل بقي سيناريو من أي نوع عن ضربة عسكرية للعراق لم تنشره الصحف الأميركية؟ قرأنا عن حرب بجيش كبير قوامه 250 ألف جندي أو أكثر، وعن قوة محدودة من حوالى 25 ألف جندي، وعن مهاجمة بغداد واغتيال صدام حسين، وعن حرب جوّية فقط، وعن مؤامرة انقلابية تشجّع عليها الاستخبارات الأميركية، وعن رصاصة واحدة لها تأثير الجيش الكبير أو القوة المحدودة أو الحرب الجوّية. اذا كانت الادارة الأميركية تهدف من هذه التسريبات الى إرباك القارئ العادي مثلي فقد نجحت، الا أنني أعتقد ان الادارة نفسها مرتبكة، فمجموعة صغيرة من أنصار اسرائيل تريد مهاجمة العراق تحت ستار محاربة الإرهاب، إلا انها لم تستطع بعد ربط العراق بأي تهديد على الولاياتالمتحدة. هل يذكر القارئ ذلك الارهابي المزعوم عبدالله المهاجر، أو خوسيه باديلا، الذي زعم وزير العدل الأميركي جون اشكروفت انه إرهابي كبير يريد تفجير "قنبلة قذرة"، أي مشعّة، داخل الولاياتالمتحدة. جريدة "بوسطن غلوب" قالت قبل يومين فقط ان مكتب التحقيق الفيديرالي قرّر ان باديلا "سمكة صغيرة" في دنيا الإرهاب، ولا علاقة له بالقاعدة أو غيرها. انتظر ان يبلع اشكروفت كلامه "أجهضنا خطة إرهابية لمهاجمة الولاياتالمتحدة بتفجير قنبلة قذرة مشعّة" إلا أنني لا أراه سيفعل، فمن دون إرهاب محتمل لا يوجد مبرّر لمهاجمة العراق. المبرّر الوحيد لمثل هذا الهجوم هو ان يمثل العراق خطراً على الأمن الأميركي، إلا ان أركان المعارضة العراقية الكبار لا يقولون هذا، فحتى لو كان العراق يملك أسلحة دمار شامل، فإنه لن يستعملها ضد الولاياتالمتحدة لأن في ذلك نهاية النظام بالتأكيد. بل ان السيناريو الوحيد لاستعمال النظام هذه الأسلحة هو ان تهاجمه الولاياتالمتحدة، ويشعر صدام حسين بأنه سيقتل، فيقرّر ان يدمّر الهيكل على رأسه ورؤوس الأميركيين. مع ذلك، لا يزال أنصار اسرائيل في الإدارة يبحثون عن سبب، وقد نشرت "لوس انجليس تايمز" هذا الشهر خبراً صريحاً كتبه ثلاثة من مراسليها خلاصته ان الادارة عادت الى محاولة ربط العراق بارهاب 11 أيلول سبتمبر الماضي من طريق براغ حيث زعم ان رئيس الخاطفين محمد عطا قابل رجل استخبارات عراقياً. والغريب في خبر الجريدة النافذة ان يقول بوضوح ان مكتب التحقيق الفيديرالي ووكالة الاستخبارات المركزية لم يجدا أي دليل على صحة هذه القصة، إلا ان الإدارة تصرّ على متابعتها. لماذا تريد ادارة بوش مهاجمة العراق اذا كان لا يشكل خطراً على الولاياتالمتحدة؟ عصابة اسرائيل في الإدارة تريد ان تحمي اسرائيل لا المصالح الأميركية، وهي مستعدّة ان تضحّي بأرواح الجنود الأميركيين في سبيل ذلك. غير ان هناك سبباً اضافياً، فالعصابة هذه تشن حملة هائلة على المملكة العربية السعودية لاضعاف نفوذها على الادارة الأميركية، كل ادارة، وحرمان الفلسطينيين من فائدة هذا الدعم المستمر. وبما ان أساس نفوذ السعودية هو امتلاكها أكبر احتياط نفطي في العالم، فإن عصابة اسرائيل تريد اطلاق الولاياتالمتحدة من الاعتماد على النفط السعودي باحتلال العراق، لا تحريره كما يقولون، فهو صاحب الاحتياط النفطي الثاني، والسيطرة على نفطه وعلى الحكم في بغداد، تلغي الدور السعودي المسيطر حتى الآن. عندما أقول أنا مثل هذا الكلام أو يقوله مواطن عربي آخر، سعودي أو مسلم، يكون الردّ أننا أصحاب فكرة مؤامرة، أو نتهم باللاسامية، غير انني أقرأ باستمرار تحقيقات واخباراً تقول مثل ما نقول، وقد أشرت الى بعضها في الأسابيع الأخيرة، وأمامي وأنا أكتب هذه السطور تحقيق طويل في "الأوبزرفر" كتبه انطوني سامبسون وعنوانه حرفياً هو: طمع الغرب بالنفط وراء حمى صدام. كما ان أمامي تحقيقاً أطول في "الميل اون صنداي" كتبه بيتر هيتشنز وعنوانه على امتداد صفحتين "السبب التحقيق لمهاجمة صدام" وتحته حرفياً أيضاً: الولاياتالمتحدة تريد ببساطة ان يحل العراق محل السعودية المعادية باطراد كموطئ قدمها في الشرق الأوسط الغني بالنفط. سامبسون وهيتشنز من أبرز الصحافيين البريطانيين، ولا يمكن ان يتهما بالضلوع في فكرة "مؤامرة" عربية، وهما يقولان حقيقة يعرفها قادة المعارضة العراقية، فهؤلاء يريدون اسقاط صدام حسين، ويتعاونون مع الولاياتالمتحدة في هذا المجال، إلا أنهم يدركون تماماً ان الولاياتالمتحدة لا تريد الخير للعراق وأهله، وإنما هناك أنصار لاسرائيل في الادارة يريدون تدمير قوة العراق العسكرية، أو تهديده المحتمل لاسرائيل، ثم يريدون بسط نوع من الاستعمار الجديد عليه للتضييق على السعودية. أقول ان هؤلاء يحلمون، فالولاياتالمتحدة لن تستطيع السيطرة على العراق بعد سقوط صدام حسين، وفئات المعارضة العراقية تكره السياسة الأميركية منفردة ومجتمعة، وهي اذا خلفت صدام حسين في بغداد فستمارس سياسة تعكس وطنية الشعب العراقي، لا أطماع اسرائيل، ومَنْ يعش يرَ.