انصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة على عجلة من امرهم، فهم يخططون لعراق ما بعد صدام حسين وكأن الحرب الأميركية واقعة لا محالة، ودور الأممالمتحدة مسرحية عبث. فيما كانت فرنساوالولاياتالمتحدة تتجاذبان في مجلس الأمن الدولي، وقبل اي اتفاق على التعامل مع العراق كان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الموالي لإسرائيل يوزع كتيباً بعنوان "كيف يبنى عراق جديد"، من تحرير باتريك كلوسون، ساهم فيه عدد من الخبراء في الشأن العراقي. كلوسون يمهد للمساهمين الآخرين ببحث معقول خلاصته ان الوحدة الإقليمية للعراق لن تتأثر، فتماسك البلد يضمنه دخله النفطي الهائل الذي تريد كل جماعة عرقية في البلاد حصة منه. وهو يقدر ان العراق سيحقق لنفسه 33 بليون دولار في السنة لو باع النفط بسعر 15 دولاراً للبرميل. وحتى لو اصر بعض الأكراد على الانفصال، فإن تركيا سترفض وتهاجم، وستؤيدها الدول العربية لصيانة وحدة العراق. غير ان الكاتب يقول ان الاستقرار السياسي اصعب من صيانة الوحدة الجغرافية للبلاد، وهو يتوقع دوراً كبيراً للجيش النظامي في صيانة المؤسسات بعد سقوط صدام حسين، اما الحرس الجمهوري والقوات الخاصة فولاؤها للنظام يجعل تدميرها او إزالتها ضرورياً. وتتحدث رند رحيم فرانك، وهي اميركية من اصل عراقي ترأس مؤسسة العراق في الولاياتالمتحدة منذ 1991، عن حكومات ما بعد سقوط النظام، وتقول انه قد يقع انقلاب قصر وتؤلف حكومة هي استمرار للنظام بشكل آخر، أو يقع انقلاب عسكري في آخر لحظة وتشكل حكومة عسكرية، او يسقط النظام وتقوم حكومة وحدة وطنية على اساس تغيير منتظم مدته سنتان ثم يقوم نظام دستوري. ووجدت فصلاً كتبه الزميل كامران قره داغي، وهو يستبعد اي سيناريو متفائل لما بعد صدام حسين، إلا انه يقول ان السنياريوات المتشائمة كثيراً تنطوي على مبالغات. ويعترف الكاتب بأن العراقيين سيجدون صعوبة في الاتفاق على تنازلات لبناء عراق المستقبل. ويقول ان الولاياتالمتحدة وحدها تستطيع ان تقنع الجماعات المختلفة بقبول تنازلات او تفرضها عليها. ويراجع كامران قره داغي اوضاع الأكراد والسنّة والشيعة، ومطالبهم المختلفة، وهناك تفاصيل مهمة عن موقف الشيعة ومطالبهم في عراق ما بعد صدام حسين. وكتب صفوت رشيد صديقي فصلاً بعنوان "نظام مجرم: المحاسبة بعد صدام"، إلا انني اجد هذا الفصل زيادة لا لزوم لها، فصدام حسين ليس سلوبودان ميلوشيفيتش، وهو لن يبقى وأعوانه ليحاكموا اذا سقط النظام. شخصياً لم اجد في الكتاب افكاراً نابية او اقتراحات، وإنما ملاحظتي هي استعجال انصار اسرائيل سقوط النظام، فبلدهم اسرائيل هو المستفيد الوحيد من سقوط هذا النظام والمحرّض الأول للولايات المتحدة على خوض حرب يقتل فيها شبان اميركيون لخدمة اسرائيل. نعرف ان دخول الحرب اهون من الخروج منها، وقد قرأت في "نيويورك تايمز" خبراً موسعاً نسب الى مسؤولين كبار في الإدارة قولهم ان الولاياتالمتحدة ستنصب في بغداد حكومة عسكرية اميركية بعد اطاحة صدام على غرار ما فعلت باليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وربما ترأس هذه الحكومة الجنرال تومي فرانكس، قائد القوات الأميركية في الخليج، تماماً كما ترأس الجنرال دوغلاس ماكآرثر الحكومة العسكرية في اليابان بعد استسلامها سنة 1945. ويبدو ان الرئيس بوش قرأ ما سرب أعوانه. ففي اليوم التالي، وفي الجريدة نفسها، اكد الرئيس الأميركي ان بلاده "لن تحاول فرض ثقافتنا أو نوع حكومتنا" على بلد آخر. وقال انه حتى لو تولى العسكر الأميركيون إدارة العراق بعد الغزو، فإنهم سيعملون كقوة تحرير لا احتلال. مرة اخرى الجدل السابق كله سبق اي قرار جديد للأمم المتحدة على العراق، وأفهم منه ان هناك موقفاً مسبقاً من إسرائيل وأنصارها بالإصرار على غزو العراق. وبما ان هؤلاء لا يمكن ان يطلبوا الغزو من اجل خير اهل العراق، فلا بد ان يكون الهدف خدمة اسرائيل. ويبدو ان حماسة معهد واشنطن للعراق بعد صدام حسين لا تقف عند حدود كتاب، فالمعهد استضاف في الوقت نفسه زالماي خليلزاد، مساعد الرئيس للشرق الأدنى وجنوب غرب آسيا، وتحدث هذا الأميركي الأفغاني الأصل عن السياسة الأميركية الحالية، وخطط الإدارة للعراق بعد سقوط صدام حسين. اتفق مع معارضي النظام العراقي مرة وحيدة يتيمة، فذهاب صدام حسين سيستقبل بفرح كبير من مختلف فئات الشعب العراقي والعرب كلهم وبقية العالم، غير ان التخطيط الأميركي ضد العراق صاغه انصار معروفون لإسرائيل، ولاؤهم لها وحدها، وأخشى ان نقول بعد رحيل النظام ما يبدو مستحيلاً الآن: رب يوم بكيت منه/فلما صرت في غيره بكيت عليه.