منذ ايام، جمعني مؤتمر علمي في عمّان بصديق فلسطيني هو الشاعر عزّ الدين المناصرة، فأسرّ اليّ بأنه، يوم انتفض الشاعر سعيد عقل ضد الفلسطينيين ووجودهم في وطن الارز، اجمع المناصرة وآخرون ومنهم من كان في صفوف القيادة الفلسطينية الرابضة في العاصمة اللبنانية، على عدم استنكار موقف الشاعر الكبير او الحاق الاذى به، لأنه يحق للشاعر ما لا يحق لغيره خصوصاً ان هو كان اصيلاً مجدداً، بل طليعياً فريداً كسعيد عقل. والشاعر الكبير واضع "قدموس" و"لبنان إن حكى"، قلما يدخل في متاهات السياسات ودهاليزها الضيقة لأن اجواءه ارحب وأنقى، فيبقى فوق معترك الحياة الصاخب ليبعث فيها شيئاً من الحيوية الحقة والفاعلة على السواء. ولما كان سعيد عقل قد دبج اروع شعره في القضايا المحقة ولا سيما القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية معاً، طلب اليّ احد ابرز شعراء القدس الرابض في عرينه الاردني. ان التمس من سعيد عقل ان يعود فعلاً الى جانب فلسطين والفلسطينيين ولا سيما في محنتهم الحالية، لأن فلسطين والفلسطينيين في امس الحاجة اليه والى مواقفه، وهم يترصدون موقفاً يبعث طائر الفينيق مجدداً. من الوجهة الفلسطينية، فيحفظ له الشعب الفلسطيني ذكراً خالداً على الزمان، مشرقاً كالشمس، عاطراً طاهراً كبنفسج رياض ارضهم المقدسة وزنابق حقولهم المتواضعة تواضع السيد المسيح الذي ولد في مغارة بيت لحم... هكذا، يحوز سعيد عقل مجدداً، بالنسبة الى الفلسطينيين، اكليل النصر، ويرفع لواء ظفرهم، ولو بعد حين. هكذا يستعيد سعيد عقل، في نظر الفلسطينيين، وبحسب الشاعر المناصرة، مكانته الفذة كصاحب رؤى وعلاّمة كبير، ومصلح طليعي، فيخلّدون ذكراه ويعتبرونه مجدداً من كبار موقظي المشرق العربي والمغرب العربي، من غفوة الخمول والاستسلام والاستلاب البغيض. ويتجلى شاعر العصر نابغة للعروبة والقضايا العربية المحقة ونجم فلسطين اللامع في سماء العزة والاباء. علَّم سعيد عقل اجيالاً متتالية ان المال والجمال الظاهر يغنيان، وينقرض الحرث والنسل، وتنهار الدور والقصور، وتتساقط العروش والتيجان، ما لهذه المحبوبات من رجال ونساء يعيشون تحت ظلالها، ويفخرون بأشكالها وألوانها وزهوها وسرابها، يفني كل ذلك ويندثر ويمحى من لوحة الوجود الحي إلاّ ذكرى الخالدين بأمجادهم وابداعهم، المصلحين الاوفياء العاملين الصادقين في سبيل قضاياهم المحقة. فبالله عليك ايها الشاعر الكبير، لب دعوة اخوتك في الاراضي المقدسة التي تمتد لتبلغ جنوبنا الحبيب، واتخذ موقفاً جريئاً عهدنا فيضاً منه من لدنك وهم يتعهدون، عبر احد كبار شعرائهم ان ينشروا موقفك بجميع الطرق المتاحة ومنها ما هو عبر نقل ما ستحبّره او تنشده، الى لغات العالم بأسرها. فأقدم يا رعاك الله ودمت مبدعاً محلقاً كالنسور ولسنين وافرة لتعزّز بفضلك وبفضل امثالك القلائل القضايا العالمية المحقة. الله حق، فكن الى جانبه كما انت في عمق اعماقك. بيروت - د. جهاد نعمان