لكل مجتمع من المجتمعات البشرية خصائص تميز افراده وتظهر بوضوح سلوكهم اليومي وأسلوب تفكيرهم وتنعكس على وجوههم. من هنا تصبح هذه الصفات بمجموعها سمة عامة تطلق على المجتمع بأكمله، كأن نقول مثلاً ان المصريين معروفون بخفة دمهم وقادرون على التلاؤم مع متطلبات حياتهم المختلفة بالحيلة والنكتة واللامبالاة. أو ان اللبنانيين شعب يحب الحياة، مقبل عليها بتفاؤل ويعرف كيف يعيش. غير ان ما يميز السوريين في شكل عام، هو عبوسهم وانعقاد حواجبهم ووجوههم المتخمة بالغموض والهموم في آن وولعهم بالتورية والكلام المموج والغمز والنكتة. وهذا يعود بطبيعة الحال الى ظروف حياتهم الاقتصادية والسياسية. ولما كانت النكتة متداولة في كل البلدان العربية، تارة تنسب الى الصعيدي وتارة الى الخليجي واخرى الى الحمصي فإن السوريين، ولعون جداً بالنكتة والنسج الكاريكاتوري، خصوصاً في زحمة الحياة وثقل همومها ومتطلباتها في ظل الواقع الاقتصادي الصعب. تنظر الى طوابير الناس التي تملأ الشوارع وتحاول ان ترصد واحداً منهم، فتجده مميزاً بملامح جسدية تخصه وحده، من دون غيره، وإن تشابهت ملامحه مع الكثيرين. تتابعه وهو يمشي مقطب الجبين مهموماً وشارد الذهن فيلتقي احد معارفه ويبدآن الحديث من هم لآخر، ويتفق الاثنان على ان الهموم كبيرة ولا تنتهي. ولربما قال احدهما للآخر: العمر بيخلص والشغل ما بيخلص، عمره ما حدا يورث، دعك من هذا، هل سمعت آخر نكتة... عندها يضحكان معاً وتنفرج اساريرهما ويفترقان وهما يضحكان... فماذا تغير؟ منذ لحظات فقد كان احدهما عابساً والآن صار الاثنان ضاحكين، او ربما انعكس الموقف تماماً حيث التقى احد المسرورين بآخر فعكّر عليه صفاء نفسه بخبر او رواية واقعية متشائمة. السؤال: هل غادرتنا البسمة الى غير رجعة وأصبحنا نفتقر الى المرح؟ هل جانبنا السرور؟ ولماذا تحولت شفاهنا الى مطاط؟ هل جمدنا الفرح والبسمة ووضعناهما في حبة اسبرين اسميناها "نكتة"؟ وكم حبة يحتاج احدنا كي يكمل يومه ويمضي الى الأمام حيث لا شيء يدعو للتفاؤل؟ صحيح ان وقائع الحياة الآن تغيرت وازدادت صعوبة وتعقيداً ومعاناة لكن كل انسان انما يسعى للفرح بطريقة او بأخرى، وحتى اولئك المتجهمي الوجوده، هم في اللاشعور يسعون لإيجاد منافذ للسرور. غير ان الفرد سواء كان من هذا الصنف أم ذاك، فهو عندما يعيش في مجتمع يقمع كل شيء، فإنه مضطر امام هذه الحال الى استغلال كل الوسائل الملتوية للتعبير عما يدور في داخله ولإظهار سخطه على نمط حياة او حال معيشية او شخص محدد. وحقيقة فإننا لا نسخر من وضع معين إلا اذا كنا ساخطين عليه لأن السخرية اتجاه عقلي للحط من قيمة هذا الوضع والتعرض له. وعليه فإن النكتة بالتعريف هي العلاقة الخفية والفكرة اللطيفة التي تنال جوانب الحياة المختلفة. انها تشخيص كاريكاتوري لجانب من جوانب الحياة المختلفة، تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم وبخاصة في المجتمعات التي تعيش جل اوقاتها في الانتظار والترقب وتحقيق ظروف معيشة افضل. ومن هنا فإن النكتة لا تتوقف عند حد معين، بل تتماشى مع معطيات العصر وتتنامى بتناميه، وباختصار، فإذا أردت ان تعرف كوامن مجتمع ما، فما عليك إلا معرفة نكاته. فالنكتة رصيد جماهيري ومسح عام لكل مفارقات الحياة ومنغصاتها ولا تترك احداً إلا تطاوله. ويشعر الشخص الذي يلقي النكتة انه اخذ حقه وشفى غليله وانتقم من ظالمه او خصمه بتحقيره وتصغيره والإقلال من شأنه بين الناس. ولما كانت النكتة، كما اسلفنا، تطاول الجميع وترصد حركات المجتمع فإن من الصعوبة سوق امثلة على ذلك لأنها كثيرة. لذلك سنكتفي بالإشارة الى بعض الأمثلة: يروى "ان ولداً سرق قلماً من مدرسته ولما عرف الأب استغفر ربه وقال: ألا تعرف ان السرقة ذنب كبير، إذا أردت مرة ثانية قلماً أخبرني وأنا احضره لك من المؤسسة التي اعمل بها". وتقول اخرى لماذا لا يستطيع السوري زيارة صديقه مرتين في البيت ويأتيك الجواب لأنه يكون قد غيّر بيته بموجب عقد الإيجار السياحي المحدد بستة اشهر... وهكذا، فالنكتة غمز من قناة السخط، وعادة وليدة الذكاء تختصر الكثير في زمن نسي حتى المرحون ضحكاتهم امام هموم الحياة التي تطحن الجميع ولا تترك مجالاً للأمل. والبسمة عملة نادرة لدى الكثيرين، فكم حبة اسبرين يلزمنا يومياً لنواجه مشكلات البطالة والسكن وارتفاع الأسعار اضافة الى قائمة طويلة جداً من المشكلات...؟