نجح المونديال المنصرم في عكس صورة مميزة لقدرة الآسيويين على تنظيم أكبر حدث من دون مشكلات... خارج الملاعب وليس في داخلها. ولا بد من الاشارة الى اختفاء ظاهرة ال"هوليغانز" التي "أنهكت" قوى رجال الامن في السنوات العشرين الماضية في كل حدث كروي عالمي كان المنتخب الانكليزي يشارك فيه. فما السبب وراء انضباط سلوك المشجعين الانكليز تحديدًا والزائرين عمومًا؟ هل هذه الظاهرة اندثرت الى غير رجعة؟ أم أن الاحتياطات الامنية التي شدد عليها المضيفون أثمرت وخلقت حاجزًا يمنع حدوث ما يعكر صفو الاحداث؟ أم أن الحفاوة التي استقبل بها الكوريون واليابانيون زائريهم كسرت جليد التباعد وأبعدت أسباب التوتر؟ الاحصاءات الرسمية تقول إن طيلة شهر كامل من الاحداث وشبه الاحتفالات اليومية لم تلق السلطات المحلية في البلدين المضيفين القبض الا على نحو 20 شخصًا كانت غالبيتهم لاسباب بسيطة كعدم حملهم لجوازات سفرهم عندما سئلوا عن هويتهم. وهذه البطولة هي الاولى التي تشارك فيها إنكلترا من دون أن يعيث جمهورها فسادًا منذ أكثر من 20 عامًا من المشاركة في البطولات العالمية والقارية كما انضبطت الجماهير التي لها ماض في أعمال الشغب كالالمانية والتركية. فتاريخ ال "هوليغانز" الانكليز حافل على صعيد المنتخب أو الاندية منذ أحداث تورينو خلال منافسات كأس أمم أوروبا 1980 ومرورًا بأحداث ملعب هيسيل الشهيرة في بلجيكا، وكان بطلها مشجعو ليفربول 1985، ومالمو السويدي 1992 ومرسيليا الفرنسي 1998. وأحد أهم أسباب ابتعاد الهوليغانز عن أحداث المونديال يعود الى جهود السلطات البريطانية التي منعت 1032 من كبار المشاغبين من السفر وأمرتهم بمراجعة أقسام الشرطة المحلية يوميًا طيلة شهر المونديال، كما ساهمت القوانين اليابانية المعدّلة بشأن أمور الهجرة والزيارات في منع دخول 40 مشاغبًا من منافذ موانئها البحرية ومطاراتها الجوية. والى جانب هذا التشدد وجد مسببو المشكلات والمشاغبون وكبار ال"هوليغانز" أنفسهم أمام تكاليف سفر وسكن باهظة، والتي يعتقد المسؤولون أنها كانت السبب في امتناع نحو 7 آلاف مشاغب من المغامرة في التوجه الى هناك خصوصًا لعلمهم المسبق أنهم قد يمنعون من الدخول أصلاً في حال اكتشفت هويتهم، وكانت أسماؤهم مدرجة ضمن الممنوعين من الدخول. وخصصت السلطات اليابانية نحو 7 آلاف رجل أمن للمباريات التي يكون الانكليز طرفًا فيها، والعدد أكثر بنحو 5 آلاف رجل أمن مقارنة مع ألفين حرسوا مباراة إنكلترا والمانيا في ميونيخ في أيلول سبتمبر الماضي. ولعبت الجماهير المحلية دورًا كبيرًا في تنفيس الاحتقان وتلطيف الاجواء المشحونة بين مشجعي المنتخبات المشاركة، فارتدت فانيلات كل الفرق من دون استثناء وغنت في أفراحهم وبكت لاحزانهم... وبالمقارنة مع البطولات والاحداث العالمية السابقة التي شهدت أحداث شغب فإن الجماهير المضيفة كانت تلعب عادة دور الغريم والعدو ما ساهم في تصاعد الاحداث. ويبرز عامل آخر ساهم في استتباب الامن وهو حدوث المفاجآت المدوية بخروج الارجنتين وفرنسا والبرتغال من الدور الاول وتبعتها إيطاليا وإسبانيا ما قلص فرصة لقاء عملاقين في البطولة، فعدا مباريات إنكلترا-الارجنتين وإنكلترا-البرازيل والبرازيل-ألمانيا فإن المونديال خلا من أي مواجهة "تقليدية". ويخطئ من يعتقد أن هذه الظاهرة اندثرت الى غير رجعة، فالاسباب المذكورة قد تكون منعت حدوثها في كوريا واليابان ولكن بحسب محطة تلفزيون "بي بي سي" البريطانية فان ال"هوليغانز" لا يزالون في أوكارهم يخططون للاحداث المستقبلية. ففي برنامج لها عرض قبل انطلاق المونديال ورد أن هذه المجموعات تخطط لنهائيات أمم أوروبا 2004 في البرتغال ومونديال 2006 في ألمانيا إذا تعذر عليها الوصول الى أقصى شرق آسيا، لان وجهتها المفضلة دائمًا هي أوروبا.