المطربة جاهدة وهبة واحدة من المطربين الذين ما زالوا يحملون لواء الطرب الأصيل اعتماداً على ثقافة موسيقية رفيعة. وجاهدة الحائزة اجازة في علم النفس وإجازة في الغناء الشرقي وديبلوم دراسات عليا في التمثيل والاخراج، حازت ايضاً مجموعة من الجوائز والتنويهات عن أعمالها من الجائزة الأولى للتفوّق الأكاديمي عن فيلم "رصاصة فارغة" الذي كتبت له السيناريو وأخرجته، وجائزة مهرجان بيروت الدولي للسينما عن فيلم "العريشة" الذي أخرجته رندلى قديح. ومثلت وهبة لبنان في مؤتمرات ومهرجانات عربية ودولية وهي تستعد للمشاركة في مهرجان جرش في الأردن في 29 تموز يوليو الجاري. وهبة تحدثت ل"الحياة": هل تجدين جمهوراً يتواصل معك من خلال الأسلوب الغنائي الطربي الذي تقدّمين؟ - ان جمهوري يتواصل معي في كل الحفلات. والبعض يتابعني من حفلة الى أخرى، وأصبحت ألاحظ ان لدى المستمعين المتقدمين في السن حنيناً الى سماع الأغاني التي أقدمها. ومع الوقت أصبحت ايضاً ألاحظ وجود الشباب من الجنسين، يأتون ليستمعوا الى الأغاني الطربية التي أسعى لإحيائها بعدما شعرت بأنها تندثر، لذا لدي إصرار على ان اوصل الرسالة الفنية الأصيلة، لأن الموسيقى والايقاعات الحالية تبتعد، إما عمداً واما بطريقة غير مباشرة عن التراثي والأصيل. شكلت وسمر كموج وفاديا نجم فرقة "نساء الطرب"، لماذا لم تتابع الفرقة عملها وأنفصلتنّ؟ - كان ذلك في بداية طريقي الفني، اجتمعنا عندما كنّا طالبات في المعهد وقدّمنا معاً برنامجاً لتلفزيون لبنان، نعرّف فيه بالاعمال القديمة ونقدمها في شكل جديد وأصوات جديدة، وكنّا نؤرشف الأغاني التي نقدمها، وكانت تجربة جميلة، ولكن كفرقة لم نستطع اظهار مواهب كل واحدة منا لذلك قررنا ان تغني كل منا منفردة لكي تبرز طاقتها الكامنة وموهبتها. بعض النقاد يقول ان هناك من يشوّه الأذن العربية، بتشويه الموسيقى الأصيلة، برأيك ما هي ظاهرة التشويه؟ - أنا اعتبر أننا في زمن انحطاط الموسيقى العربية لأننا نعيش في زمن العولمة، في زمن انفتاح الحضارات على بعضها بعضاً. وتغيب بطريقة من الطرق الموسيقى العربية، وتطغى الأنغام الموسيقية بغير الموسيقية وتدخل عليها ايقاعات غريبة على الأذن العربية ما يشوهها. والتشويه يصير من خلال الاصرار على تقديم الآلات الالكترونية والميكانيكية على الموسيقى العربية، وهذا ليس في جوهرها لأنها تعتمد على الآلات التقليدية مثل العود والتخت الشرقي. ونضيف الى ذلك الإصرار على ادخال اللغة الاجنبية الى الأغاني العربية، لذلك نرى بعض الأغاني تبدأ بالعربية وتتابع باللغة الاجنبية مع استعمال الآلات الغربية الغريبة عنّا. أصبحت الأغنية الحالية بعيدة عن الأغنية الاصيلة التي تحمل الكلمة الصحيحة. كنّا نسمع المطرب يخاطب الوجدان من خلال الأغنية التي تحمل المعاني السامية التي كان فيها شجن وغرام وبراءة، اما الآن فأصبحت الاغنية غير مفهومة وبعيدة عن التقاليد الشرقية العربية، ان من ناحية الكلمة التي تتأثر بالنمط الغربي وان من ناحية الموسيقى ففي الوقت الذي نستورد الموسيقى الغربية ويجب علينا ان نصدر موسيقانا الى العالم بعد ان نعطيها طابعاً تحديثياً معاصراً من دون نسخها عن الغرب. انطلقت شهرتك من خلال برنامج طربي تلفزيوني، ألا تسعين لأن تعيدي الكرة بتقديم هذا النوع من البرامج الغنائية؟ - في الوقت الحاضر أدرس عرضاً لتقديم برنامج تلفزيوني اسبوعي مع زميل مطرب يرافقني فيه تخت شرقي وليست له علاقة بالفرق الكبيرة، نعيد فيه احياء الأغاني القديمة من بداية القرن الماضي حتى منتصفه، ونركز على الأغاني القديمة خصوصاً المغمورة منها التي لم تأخذ حقّها، فهناك اغان جميلة تحاكي المشاعر منها لأم كلثوم وصالح عبدالحي وعبده الحامولي وأبو العلا محمد لأظهرها عبر الشاشة، لأن التلفزيون أقوى من المسرح وأسرع انتشاراً. البعض تحدث عن دمج الغناء بالايقاع الغربي على انه تطور، هل التطور هو الصخب فقط؟ - لا. الصخب اساساً ليس موسيقى، وما يحصل الآن وفي معظم الأحيان من الايقاعات والصخب والضجيج يحرّك الجسد ولا يخاطب الوجدان. فبمجرد سماع الأغاني الحالية يشعر المرء بأنه يريد ان يرقص. ايام زمان كان كلام الأغنية يحرك الوجدان ويدفع بالمستمع للتفكير، اذ تدخل الأغنية لواعج النفس والفكر، وكان هناك بعض الأغاني فيها أطروحات فلسفية فماذا تطرح الاغنية اليوم؟ قد تطرح استثنائياً حالاً عشقية ما أو مثلاً حالاً سياسية مستفحلة مثل الوضع الفلسطيني الذي أثير اعلامياً في شكل كبير وواضح، وكل سنة يقدم المطرب اغنية ليلحق الفنانين حتى تكون له حصة في الاعلام الذي يرافق هذه القضية نفسها. والأغاني الحالية كلها تتحدث عن أوضاع صغيرة أو عن حال غرامية صغيرة أو سطحية من خلال تسطيح الكلام فتأتي الأغنية مسطحة وليست مشبعة مقامياً وموسيقياً اذا ان البعض يأتون بجملة واحدة يغنونها وتبدأ الأغنية مثلاً من دون ايقاع ويركبون عليها ايقاعاً ويأتون بمطرب أجنبي أو أي شخص أجنبي ويغني الجملة ذاتها بلغة أجنبية وثم يقدمونها مع ايقاعات بلغتهم وهكذا تصير الأغنية مسطحة، ولا يجوز تسطيح الذوق العام بل على العكس يجب ان نعي لنرتقي بالذوق العام حتى ان هناك أغاني تخدش حياء المستمع. وأهم شيء عندي ان تكون الأغنية على خلق ومشبعة بالمقامات الموسيقية وتنتقل من نغمة الى اخرى، من قالب الى آخر لا ان تكون على الايقاع نفسه. اليوم نجد في الأغنية ايقاع الوحدة السريعة يسير في نمط كل الأغاني إلا اذا كانت الاغنية خليجية ومقاماتها خليجية فنسمع فيها ايقاعاً جديداً ولكن معظم الأغاني العصرية بعيد عن المقامات. لماذا لم تصدر جاهدة وهبة شريطاً غنائياً خاصاً، الا تريدين الخروج من أم كلثوم؟ - صور شريط لي اعتبره استرجاعاً لأغاني العشرينات التي أديتها بصوتي، ولدي أغان خاصة كنت قدّمتها افرادياً سأجمعها قريباً في شريط خاص وسيتضمن مؤلفات جديدة وسأقدم فيه تجربة جديدة لي في التلحين، منها أغنية من كلمات الشاعرة لميعة عباس عمارة عن بيروت وأغنية غزلية، ولكن انشغالاتي الكثيرة أخّرتني عن اصدار الشريط الذي أعمل عليه ليكون جاهزاً في الخريف المقبل، ولن أبتعد عن أم كلثوم التي أحبها كثيراً فهي مدرسة كبيرة واعتقد انها تعطي عمقاً للشخصية الفنية عند المطرب الذي يدرس على صوتها. بعيداً عن مسرح المدينة مثلت لبنان على مسارح مهمة ماذا اعطاك هذا التمثيل؟ - مثلت لبنان في مهرجانات عدة عربية ودولية كانت تتيح لي تقديم موهبتي. ليس في مسرح المدينة فقط، بل ضمن حفلات في كل المناطق اللبنانية والدول العربية ايضاً حيث كنت ألبي دعوات من جمعيات خاصة أو أكون مبعوثة من الدولة لأمثل لبنان. وهذه التجربة اضافت لي الكثير وحمّلتني مسؤولية تمثيل بلدي وهذا مهم بالنسبة لي. شاركت في مهرجانات ثقافية واليوم تستعدين للمشاركة في مهرجان جرش، ماذا ستقدمين؟ - سأذهب الى جرش في 29 تموز الجاري لأشارك في مهرجاناتها وسأقدّم باقة من الغناء الأصيل من أغاني لأم كلثوم ومحمد عبدالمطلب وصالح عبدالحي وعبده الحامولي واسمهان وفريد الأطرش وغيرهم وبعدها سأشارك في أمسية مع الفنانة نضال الأشقر بعنوان "كلمات تعشق النغم"، وهذه الأمسية نجول بها منذ فترة في الوطن العربي وفي فرنسا حيث أخذنا قصائد من شعراء عرب ولبنانيين معاصرين. وتدور الأمسية حول محاور عدة مثل الأرض والحب والغزل والثورة. ولدي في تشرين الثاني نوفمبر المقبل حفلة في "دار الأوبرا" في القاهرة وهذا حلم قديم تحقق.