بعيداً عن جوقة التبطيل والتزمير الإعلامي، يمكن القول وبكل أمانة إن صوت المطربة الصاعدة بلقيس أحمد فتحي، يتعرض لهدر كبير، بعد أن قدمت مجموعة أغنيات (كلمات وألحان) لم تعرف كيف تستثمر هذا الصوت القوي والجميل في آن. إذ يبدو أن مجموعة الأغنيات الشعبية التي قدمتها من ألحان فايز السعيد أو وليد الشامي، لم تتمكن من الخروج بهذا الصوت إلى ما يليق بقوته، مثل ما فعل والدها الموسيقار أحمد فتحي، عندما سمعناها وهي تغني أغنية وطنية للبنان من ألحانه، بعنوان "أكتب عن بيروت" وأذيعت في لقاء برنامج "بيت القصيد" مع زاهي وهبي وهو اللقاء الذي غنت فيه بلقيس أيضاً، جزءاً من أغنية طربية صعبة لأم كلثوم وهي "جددت حبك ليه". ودون العودة لهذا اللقاء، يكفي معرفة أن بلقيس هي ابنة المؤلف الموسيقي العالمي أحمد فتحي، وهي كذلك من تعلم أصول الغناء على يد والدها، لنعرف أن قدرة بلقيس لتقديم الأغنيات الطربية، جاء بعد دراية عميقة لفن الغناء العربي الأصيل، غير أن دخول بلقيس الساحة الغنائية من البوابة الخليجية "الحالية"، عبر تقديم هذا الشكل من الأغنيات ذات الايقاع المتكرر (البندري) واكتفاءها بألحان بسيطة، عاجزة عن اللحاق بجموح صوتها القوي، يدفعنا للقول بحق إن بلقيس صوت طربي ضاع وأهدر مع أغانٍ وألحان خليجية، إماراتية، لا تنتمي سوى إلى زمن الأغنية الاستهلاكية. ففي الوقت الذي استبشر الجمهور "المتذوق"، بدخول صوت طربي نسائي للساحة الغنائية الخليجية، نفاجأ، بانضمام بلقيس إلى "نادي" المطربين الذين تحولوا خلال السنوات الأخيرة إلى أشبه بنشرات إذاعية، دعائية وترويجية، لهذا الشاعر المنتج أو ذاك الملحن الشعبي الذي لا تسمح إمكانياته أبداً بتطوير صوت بلقيس أو الغوص لاكتشاف كنوز أسراره، وإنما كل ما يقوم به هذا الملحن الشعبي هو ترويض هذا الصوت كي يتناسب مع ما يقدم من ألحان ذات لون وسقف موسيقي محدد. صحيح أن بلقيس مطربة شابة، وتنتمي للجيل الجديد (العولمة) حيث تمتزج الأنغام في التوزيع الموسيقي، إلا أن خصوصية هذا الصوت الطربي، الذي تربى على يد أحمد فتحي، كان له أن يقوم بدور أكبر بكثير من أن يُترك للضياع مع ألحان "شعبوية" لا تقدم جديداً ولا تطور في موروث الأغنية الشعبية. ما على بلقيس أن تقوم به، هو عدم الاكتفاء بقوة صوتها وإنما غناء ألحان متعددة المقامات، ضمن رؤية فنية جديدة، تكون فيها بمثابة جسر بين جيلين (جيل الأب وجيلها)، وهي قادرة على ذلك، ومؤهلة إليه، خصوصاً وأنها صوت جميل ومثقف موسيقياً، لذا عليها أن لا تقبل بعباءة الأغاني الشعبية الضيقة، وأن تدرس التجارب التي وفّقت بين الأغنية الجماهيرية والطربية وقدمت للجمهور ما يرفع ذائقته الجمالية، وأن تعطي الفن حقه، فهي في بدايتها وكل ما تقدم سوف يسجل في تاريخها الفني.