دعي الكاتب الى القاء محاضرة في البحرين في الذكرى المئوية الاولى لغياب عبدالرحمن الكواكبي، وذلك في مركز الثقافة والبحوث، وهو مؤسسة ثقافية تحمل اسم الشيخ ابراهيم الخليفة 1850-1933 الذي كان شاعراً ورائداً من رواد النهضة الادبية في البحرين. وفي ما يلي مقال يبين تعامل الكاتب مع الكواكبي والاستبداد، واشكالية المحاضرة في هذين الشأنين: ما كنت راغباً في الحديث عن الكواكبي. وعندما اتصلت بي الشيخة مي الخليفة بخصوص المحاضرة، كان جوابي: لقد تحدث الكواكبي عن "طبائع الاستبداد" ووفاء له، اي للفكرة والقضية، سأتحدت عن شيء آخر سميته "جذور الاستبداد". ولكن المناسبة جعلتني اعدل عن ذلك، لكي اعود الى كتاب "الطبائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، دار النفائس حلب، 1993 بصورة سريعة وموجزة. والمهم انني لم اتعامل مع مهمتي كداعية همه تبجيل عصر النهضة وأعلامه او الدفاع عن الثقافة العربية الاسلامية، على ما يفعل كثيرون اثناء الاحتفاليات. فأنا ناقد لذاتي، على نحو يحملني على ان اضع على مشرحة الفحص والكشف او التعرية، مهنتي ومهمتي وهويتي الدينية او القومية او الانسانية، لأنني اعتبر ان مشكلة الثقافة العربية هي مع اهلها وحُماتها، كما اعتبر ان مصدر الازمات الوجودية والحضارية، انما يتجسد بالذات في ما ندافع عنه من الثوابت والمثالات او من الاعتبارات والانتماءات. والأوضاع في العالم العربي تشهد بذلك: فالمجتمعات تواجه تحديات جسيمة وخطيرة، سواء من الداخل حيث التعثر والاخفاق في معالجة المشكلات المزمنة والمتراكمة في مجالات التنمية والمعرفة والسياسة، او من الخارج حيث العرب يتعرضون للضغوط ويوضعون موضع التهمة بالتخلف وممارسة الارهاب، خصوصاً بعد تفجيرات أيلول سبتمبر. من هذا المنطلق لم يكن همي في محاضرتي ان اكرر اقوال الكواكبي او اكتفي بعرض آرائه او اتوقف عند الاشادة بجرأته وجدته وسبقه لعصره. لقد وجدت ان الاولى والأجدى ان اهتم بما استبعده ولم يقله من اجل تجديد القول وتفسير الاخفاق، من دون ان ابخسه حقه. ولذا ميزت في عمله بين وجهين: 1 الانجاز كما تمثل في تحليل طبيعة الاستبداد ومظاهره او في كشف وسائله وآلياته، بالدخول عليه من غير مدخل، كالدين والعلم والسلطة والمال والأخلاق والتربية. 2 الإشكال او المأزق، ومفاده ان الكواكبي في ما يدعو الى التحرر ومحاربة الاستبداد يتخلى عن حريته الفكرية في المساءلة والمجادلة والكشف لمصلحة منطق التسليم، حيث يرمي سلاحه ويقع اسير مسلمات عقائدية يملك واضعوها او ناقلوها الاجوبة الجاهزة والمسبقة والنهائية لكل اسئلة الحقيقة والواقع. اذ كل شيء في معتقدهم منصوص عليه في كتب ومراجع لا تقول سوى الحق، وما علينا سوى الشرح والتفسير. والثمار المعرفية لمثل هذه العقلية الاصولية الفقهية هي: الوقوع في التكرار والخواء، او مسخ مآثر الماضين وأعمالهم، او الخروج عليها وادعاء التطابق معها، او السطو على منجزات الغربيين ونسبتها الى الاسلام، كما هي بالاجمال اصناف الخطابات السائدة على الساحة الاسلامية. والنقد هنا لا يعني نفي كل ما قاله الكواكبي، بقدر ما يعني ان نصنع ما لم يصنع بالعمل على مضاعفة نصه على سبيل التأويل او الخرق والتجاوز. تأويلاً، حيث نهتم بصرف اسئلته وتوظيف مكتسباته. فإذا كان الكواكبي تناول الاستبداد من مختلف مجالات الحياة الاجتماعية ودوائرها، فمعنى ذلك وتأويله ان الاستبداد لا يحمل مسؤوليته الحكام وحدهم، وانما هو مسؤولية الجميع، مثقفين حداثيين ودعاة تراثيين، ساسة وأصحاب سلطات او ثروات، فضلاً عن الذين يمارسون الوصاية على الحقيقة والعدالة او الامة والهوية. وهكذا كل منا يستبد بقدر ما تستبد به رغباته ونزواته او شعاراته ونظرياته او عقائده وأساطيره او مناصبه وألقابه او ثرواته وحساباته او مخاوفه وهواجسه، فضلاً عن الضعيف العاجز الذي يستبد بعجزه او يستبد به ضعفه. وتجاوزاً، حيث نعالج الاستبداد بطريقة مختلفة ونتناوله على مستوى مغاير من النظر والتحليل، حيث نجترح امكاناً جديداً للفهم والتشخيص. واذا كان الكواكبي تناول الاستبداد من حيث طبائعه ومظاهره، فالممكن للمعالجة الآن، ان نتناول الاستبداد، من حيث جذوره ومصادره، كما تتمثل في بنية الثقافة ومصادرات العقل او في شكل الوعي وشبكات الفهم. وبعودتي الى كتاب "الطبائع"، وجدت ان هناك جوانب كثيرة يمكن ان يتناولها النقد، أتوقف عند اربعة امثلة تتعلق بالعقيدة والمعرفة والسياسة. أ- يذكر الكواكبي ان "التشريك" لدى اليونان، على مستوى العقيدة، اي القول بتعدد الآلهة من حيث الاختصاص وتوزيع المهام، كان على مستوى السياسة، وسيلة لاقامة الجمهورية والحد من الاستبداد. غير ان الكواكبي، دفاعاً عن مبدأ التوحيد، هاجم التشريك واعتبره وسيلة باطلة وضارة، متعاملاً بذلك مع فكرة الوحدة بصورة احادية تتعارض مع التعددية التي هي من مبادئ الديموقراطية، متناسياً في الوقت نفسه ان التعدد يخرق التوحيد ويشكل وجهه الآخر، بدليل ان الذات الالهية، بحسب لائحة الاسماء الحسنى، هي مجمع للصفات التي تختلف وتتباين الى حد التعارض. ب- يخلط الكواكبي بين الشورى والديموقراطية، على ما هي العادة، منذ عصر النهضة، لدى المثقفين المسلمين الذين تدفعهم النرجسية الثقافية وآلية الدفاع عن الهوية والعقيدة الى ان ينسبوا الى الذات ما حققه الغربيون من الانجازات، وكما هو موقفهم من الديموقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة. في حين ان هناك فوارق بين الديموقراطية والشورى، اقلها ان الديموقراطية تفترض الولاء للقوانين والمساواة بين مواطنين، بينما الشورى تقتصر، كما يقول الكواكبي، على الاشراف دون الاكثرية من الرعايا الذين لا حق لهم في المراقبة والمحاسبة. اما الاهم والاخطر فهو ان الديموقراطية، التي تتغذى من الفلسفة، تعني امكان اشتغال المجتمع على عقائده ومحرماته وشرائعه، على سبيل التعديل في نظام التحليل والتحريم الديني الذي لا يخضع للجدال، كما يردد ويهدد الدعاة الذي يملأون الابصار والاسماع في منصات الاعلام ووسائطه. ج- على مستوى آخر نجد ان النرجسية الثقافية هي التي تحمل المثقفين المسلمين على الاعتقاد بأن النظريات العلمية الحديثة التي اكتشفها العلماء بتجاربهم وعقولهم، انما هي مثبتة في القرآن الذي سبقهم الى الكلام عليها او الاشارة اليها. والكواكبي مع رجاحة عقله ودوره التنويري، انما ينزلق هذا المنزلق، عندما يشتغل كداعية همه الدفاع عن اعجاز القرآن. ولذا فهو يقرأ النص القرآني الآتي: "وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل"، باعتباره استباقاً وتحقيقاً لاكتشاف الميكروبات، اي يقرأه بصورة اسقاطية لا تضيف شيئاً جديداً الى المعرفة. مثل هذا الهاجس، في الدفاع والتبرير، هو الذي يفسر لنا عجزنا عن انتاج معارف جديدة وغنية حول النصوص والعالم، أي بعكس ما فعل القدامى الذين ابتكروا وجددوا في مجال التفسير وفي مجال العلم، ان من حيث الحقول والفروع او من حيث المناهج والمفاهيم. ولا عجب ان يكون حالنا كذلك، ما دام همنا الاساس ان نفكر لكي نعرف ما هو معروف، او لكي نستولي على ما انتجه الغير وننسبه الى انفسنا. في حين ان الممكن معرفياً هو ان نعيد التفكير في ما نعرفه، لكي ننتج جديداً سواء حول النصوص والمعارف او حول العالم والوقائع. د- إن الكواكبي في ما يتحدث عن الاستبداد الديني بصفته ينبني على ارادة التمايز او يرتبط ب"الميزة" بحسب تعبيره، انما ينسب ذلك الى اليهودية التي افسدت برأيه مبدأ التوحيد، او الى المسيحية التي لبست برأيه غير لبوسها بقولها بالتشريك. وهكذا يعمل على تحييد الاسلام واستبعاده من مجال القول بالتمايز والاصطفاء، مع ان الاديان الثلاثة تشترك جميعها من حيث تغليب السر والوحي والنص والتسليم بالأمر على المساءلة والاعتراض والمجادلة بالعقل. والأهم انها وكما آلت اليه بنماذجها ومؤسساتها ونسخها اي بنسخها للبدايات، على سبيل التبديل والتحويل، انما هي منوعات للعملة العقائدية نفسها، من حيث عقدة الاصطفاء التي تزين لأتباع كل واحد منها القول بأن الله قد اختارهم وفضلهم على سواهم، او بأنه ظهر لهم وتجسد فيهم، او بأنه ما خلق العالم الا من اجلهم او ختم سجل الحقيقة والشريعة في كتبهم وعلى يدهم. مثل هذا المنطق الاصطفائي، الاستبدادي، الذي يحمل الواحد على الاعتقاد بأنه، وحده من دون سواه، يقبض على الحقيقة او يملك مفاتيح الايمان او يحتكر تمثيل الدين القويم، هو الذي يجعل العلاقات تقوم على الكره والعداء او على النسخ والإلغاء، سواء بين الديانات او بين المذاهب والطوائف داخل كل ديانة. على هذا المستوى من النظر لا يأتي الاستبداد من الخارج، بل ينبع من الداخل بقدر ما يتجسد في المطلقات والثوابت التي تستعمر العقول وتقود الى عبادة الاصول، مما يجعل المرء سجين هويته اي يوقعه في فخ الاستبداد فيما هو يدعو الى مصارعة الاستبعاد. هذه امثلة على تراجع الكواكبي عن استقلاليته عندما يتعلق الامر بمرجعيته الدينية التي يتعامل معها كسلطة مطلقة لا تخضع للمساءلة والاعتراض. ولذا فهو يتصرف ازاءها بعقلية التسليم والامتثال او بمنطق الدفاع والتبرير. لا يعني ذلك بالطبع ان بوسع المرء ان يتحرر من اصوله وأسمائه او من بيئته وتراثاته، بقدر ما يعني ان نقيم مع الاصول والثوابت علاقات متحركة ومتغيرة او نامية ومتجددة، حيث لا نتعامل مع النصوص والتراثات والخصوصيات كعوالم مغلقة او كمتاريس لشن الحرب على الآخر، بل كحقول للدرس والتنقيب، او كمواد فكرية نختلف عليها ونغنيها بالقراءات الخصبة والمثمرة، او كرؤوس اموال رمزية تنظر ان نقوم بصرفها وتحويلها الى وقائع معرفية غنية او قواعد عملية فاعلة وراهنة نتحول بها بتحويل علاقتنا بالواقع والعالم. هذا النقد للكواكبي قد يبدو للبعض من قبيل الظلم او التهجم، على ما يظن الدعاة الذين يمارسون النقد على سبيل النفي والتهجم او بالعكس على سبيل التمجيد والتبجيل، ولكن النقد بمعناه المثمر والفاعل هو مسعى وجودي يجسد حرية التفكير وحيويته بقدر ما يسفر عن اشتقاق امكان للفهم او اقتحام منطقة جديدة للتفكير، في التصدي للمشكلات او في تفسير المآزق والتراجعات. هذا ما تناولته في نقدي للكواكبي: الخروج عليه منه بالذات بكشف ما اغفله او بتفكيك ما امتنع عليه قوله. من هنا حاولت فهم مأزق الحرية بانتهاج طريقة مختلفة بل معاكسة، معتبراً ان مصدر الاستبداد هو ما ندافع عنه او ما نستبعده من مجال التفكير واعادة النظر، كما يتجلى ذلك في ما نتمسك به او نعلي من شأنه او نستخدمه ونمارسه من المرجعيات الثقافية والسلطات الرمزية او من المثالات والمقولات او من الادوار والمهام. وهذا ما جرى تفصيله في ورقتي التي نشرت في الكتيب الذي صدر عن مركز الخليفة للثقافة والبحوث بعنوان: اين نحن من قضية الكواكبي؟ وذلك حيث ابيّن ان الحريات المدنية والديموقراطية هي ضحية قيم وأطر وآليات وممارسات تترجح بين عبادة الشخصية ونرجسية النخبة او بين انغلاق الطائفة وعصبية القبيلة او بين ارهاب القداسة وثوابت العقيدة او بين العقلية الطوباوية والتعاملات الرجعية. بالنسبة الى مسألة الحجاب ما حاولته هو فهم الظاهرة، اي العودة الى الحجاب بعد مئة عام من السفور. ولا يعني ذلك انني ادعو المرأة الى خلع حجابها والتهجم عليها اذا كانت هذه قناعتها، والا كنت سجين فكرتي او مستبداً بحريتي، على ما هو دأب الكثيرين من دعاة الحرية والعقلانية الذين يتعاملون مع افكارهم بصورة قدسية وعلى نحو اصولي. فمقتل الافكار هو تقديسها. ومقتل العقل بالتعامل معه بطريقة اصولية لا تداولية. بهذا المعنى نحن ضحايا افكارنا بالذات ومناهجنا الاحادية في التفكير. والمهم انه اذا كان ثمة عودة الى الحجاب بهذا الاتساع، فللظاهرة ثمنها المعرفي، بمعنى انها تحملنا على اعادة النظر في مفهومنا للحرية من جهتين: الاولى ان الحرية ليست فطرة اصلية فطرنا عليها، والذين تعاملوا معها على هذا النحو تصوروا القضية بصورة هشة ومثالية انتجت ضدها على ارض الواقع، لأن الحرية هي علاقات وفضاءات يجري بناؤها بالجهد والمراس كما بالصناعة والتحويل، بقدر ما هي عمل متواصل على الذات والمعطيات نتحول به ونحول الواقع باشتقاق الامكان وخلق الوقائع. ولذا ليست الحرية فردوساً ضائعاً نسترده، وإنما هي مشروع لا يكتمل، يبقى دوماً قيد الانجاز والتشكيل. من جهة ثانية ليست فكرة الحرية او الديموقراطية شعاراً تقحمه النخب على المجتمع أو تمليه على الناس، وإنما هي قدرة الفكرة على خلق مجالها التداولي، اي هي ما يقبله الناس ويقدرون عليه، حيث يعملون عليها لكي يتغيروا او يغتنوا بها بقدر ما يسهمون في تطويرها واغنائها. بالنسبة الى مسألة الجدة في الكلام، ما اراه هو انه ليس حتماً ان تكون المحاضرة التي يلقيها الواحد منا جديدة كل الجدة في طروحاتها وخلاصاتها. يمكن لمن يحاضر ان يستعيد ما قاله في احد كتبه او حتى ما قاله في محاضرة اخرى، وأنا اقدر ان اكثر الذين اتوا الى الاستماع للمحاضرة لم يكونوا على اطلاع مسبق على الافكار التي وردت فيها. فضلاً عن انني، مع تقديري واعتزازي لمن او بمن استمع الى محاضرتي من الكتاب والاكاديميين والفنانين والاعلاميين الذين يقرأون اعمالي، فإنني آمل دوماً، في محاضراتي، ان اتحدث الى من لا يقرأني او ألتقي بمن لا يعرفني، وقد سرني في المنامة ان ألتقي بأناس من خارج القطاع الثقافي بالمعنى الحصري للكلمة. ومع ذلك ليس كل ما ورد معروفاً كله. هناك جديد ايضاً ومن وجه. يمكن التوقف هنا عند ما اسميه التعامل الرجعي مع قضية الديموقراطية، ليس فقط في العالم العربي، بل ايضاً على المستوى العالمي. وما ألاحظه ان الديموقراطية على ما يتعامل معها جيلنا نحن، جيل القضايا الفاشلة والمشاريع المستحيلة، باتت قضية مستهلكة او عملة غير رائجة بالنسبة الى الاجيال الجديدة التي تشكل لديها حساسيات وعقليات وهموماً جديدة ومختلفة. من هنا كلامي على تغيير الفاعلية السياسية على ما يجري اليوم في عصر المعلومة ومجتمع الصورة. ولا ازعم في ما اطرحه من افكار بأنني انطق بالحقيقة او اقول الحق، وانما احاول، بأفكاري، خلق وقائع معرفية سواء بالاشتغال على الخطابات او على الاحداث والوقائع. ومن هذه مهمته يحرص على ان لا تطغى عنده هواجس الهوية على مشاغل المهنة، بل يعمل على تجديد حقول النظر وأدواته او على توسيع مجالات العمل وتطوير معاييره وأساليبه. هذه المهمة لم ننجح فيها عربياً، الامر الذي يفسر هامشية موقعنا في العالم الحديث من حيث القدرة على الخلق والابتكار، بقدر ما يفسر عجزنا عن تجديد مفاهيم التقدم والاستنارة العقلانية والحرية والحداثة التي تحولت الى اصنام فكرية وشعارات. هذه هي المهمة الآن: خلق وقائع نشارك بها في صناعة العالم وتشكيل المشهد الكوكبي، ولو في مجال كرة القدم، حتى لا نتحول الى ديناصورات حضارية. وبالنسبة الينا نحن الذين نشتغل في ميادين المعرفة فالمهمة هي ان نتقن عملنا بالدرجة الاولى، حيث نتعاطى مع الواقع ومجرياته او مع العالم ومشكلاته او مع العصر وقضاياه باتبكار نظرية او مقولة او صيغة او منهج نجدد بواسطتها عناوين الوجود ومصادر المشروعية. وهذا جزء من عمل الفلسفة والفكر النقدي. ولكن المثقف الحداثي والداعية التراثي، او الذي يدعي الجمع بين الصنفين، وسواهم من اصحاب العقليات الايديولوجية والمزاعم الخاوية الذين لا يرون الوقائع المعرفية بقدر ما يتعاملون مع التهويمات النضالية حول الهوية والنهضة والاستنارة والتقدم، بصفتها تجديداً في العلم والفلسفة والدين والفكر عامة... وتلك هي المشكلة. * كاتب لبناني.