على رغم أن لوحة الغلاف التي اختارتها القاصة المغربية زهرة زيراوي لمجموعتها الثالثة "مجرّد حكاية" كانت من إنجازها إلا أنّ حضور التشكيلية في هذا الإصدار الجديد لم يقف عند حدود الغلاف. فمعظم القصص تبدو كما لو انها رسمت بالفرشاة. بل إنّ القراءة تصير في بعض مقاطع. آخر نصوص المجموعة عناقي للشهوة، عناقيد للحزن ملاحقة عبثية لضربات الفرشاة المنفلتة أحياناً. تصير الشخصيات مجرّد وجوه غامضة ولا تبدو الكاتبة معنية برسم ملامحها بدقّة مقدار ما هي مصرّة على لفّها بذلك الغموض الجميل الذي يجعل القراءة استسلاماً حرّاً وسعيداً للمتاهة وضرباً على غير هدى في شعاب الحكي. وعلى رغم أن زيراوي حاولت أن تلوّح بالحكاية في العنوان، إلا أن قصصها الأربع عشرة لا تروي حكايات مكتملة بقدر ما تقوم على كتابة حرّة يتداخل فيها الحلمي باليومي والشعري بالسردي والسيرة الذاتية بالأسطوري. كتابة لا تنشد إنجاز بنيات سردية جيدة السبك بقدر ما تراهن على الحرية والتجريب الذي تذهب به الى أقاصيه. فقصص زيراوي كما تؤكّد هي نفسها في إحدى قصص المجموعة ليست سوى تمارين للعطش. قصص قد تفاجئ قارئها بتحوّلها إلى قصائد شعرية غارقة في رمزيتها واستعاريتها، ولها إيقاعها الشعري أحياناً. بل وقد تتحوّل في نصوص أخرى صباح الخير أيها السبت إلى حصة للرّسم يلج فيها القارئ مرسم الفنّانة التي تبدأ بوضع تقاطيع الوجه الأنثوي الجميل أمامه بالأكواريل: الملامح الملائكية، ظلال البشرة الشّمعية المشربة باللون الوردي، والابتسامة الهادئة التي تجعل المرأة تبدو كطفلة تقاوم النّعاس. قبل أن تفاجئ اللوحة الجميع ببروز أنياب مدبّبة زرقاء لهذا الوجه الذي كان ملائكياً قبل بضع ضربات فقط. تبقى شخوص زهرة زيراوي الشّبحية مثيرة وهي تتحرّك في أبهاء قصصها من دون أن تروي ظمأ القارئ الفضولي الذي يريد أن يعرف كل شيء. فالكتابة عند هذه القاصة لا تروم الكشف عن ملامح الشخصيات وفضح أسرارها مقدار ما تريد مضاعفة هذه الأسرار واستثمارها لتكريس التباسات عملية الكتابة. وهكذا تعترف بطلة قصة كواجهة خادعة بأنّ حياتها تتطلّب وضع ماكياج كثيف على ملامحها الحقيقية، أما رفيقها ففضّل تغليف نفسه بالسلوفان. ومع ذلك تبقى الذات محورية في قصص زهرة زيراوي. بل إنّ الكتابة عندها كما يقول القاص المصري سعيد الكفراوي في مقدمته، هي: "غوص في الذّات المشتبكة مع عالم ملتبس، وبحث عن ألفة مفتقدة، وحزن شفيف يطرق باب القلب، وواقع شعري يمتزج بالحلم في مدن ضبابية باردة، كأنها جزء من وجود مكثّف، وامرأة تتلمّس عبر اللغة والنّموذج الإنساني ذلك التواصل في أماكن غريبة تؤسّس من خلالها زهرة زيراوي علاقات بين الرجل والمرأة لا تكتمل أبداً، وفي كتابة هدفها إضاءة قنديل مشتعل في نافذة الدنيا". أما الشاعر عبدالمنعم رمضان فاختار أن ينوب عن الكاتبة في مخاطبة القارئ باسمها قائلاً: "أيها القارئ أرجوك لا بد من أن تجرّب المسافات المختلفة بينك وبين نصوصي، قد تستطيع في النّهاية أن تضبط المسافة اللازمة، حيث يتميّز كتابي بالبعد الأسطوري الجامع بين اللون والعين. فلا تحاول أن تكشط اللون بأظافرك".