مع استمرار تراجع أسواق المال في أميركا وتسجيل عجزها التجاري رقماً قياسياً جديداً حذر اقتصاديون في مؤسسة "مورغان ستانلي" الاستثمارية من أن المستثمرين في دول شرق آسيا الذين لا يزالون الأكثر حماساً بين الفئات الرئيسية من المستثمرين الدوليين لاقتناء الأصول الأميركية من السندات الحكومية وأسهم الشركات باتوا يشكلون آخر السدود التي تمنع تحول الانخفاض التدرجي الراهن في أسعار صرف الدولار إلى انهيار حاد. ويتعرض الدولار لضغوط مستمرة منذ فقدت مؤشرات أسواق المال، التي تشكل بما تجتذبه من استثمارات دولية أهم القوى امام العملة الأميركية، زخم اندفاعة اكتسبته من الانتعاش القوي الذي حققه الاقتصاد في الفصل الأول. وفي المحصلة النهائية إنعكست خسائر المؤشرات سلباً على أسعار صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية لاسيما العملة الأوروبية الموحدة اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني. حسب آخر حصيلة للمؤشرات أول من أمس خسر مؤشر "نازداك المجمع" لأسهم التكنولوجيا 25 في المئة من القيمة الدولارية التي بدأ بها السنة الجارية وبلغت خسائر مؤشر "ستاندرد آند بورز" لأكبر 500 شركة أميركية زهاء 12 في المئة بينما خرج مؤشر الأسهم الممتازة لعملاقة الاقتصاد الأميركي ال30 بخسائر اقتربت من 6 في المئة، وساهمت هذه العوامل مجتمعة في انخفاض سعر صرف الدولار بنسبة 10 في المئة مقابل الين وأكثر من 8 في المئة مقابل اليورو. الدولار الغالي وتدفق الاستثمارات وجاء تأثير المؤشرات بشكل غير مباشر، إذ أن الخسائر الضخمة التي لحقت بمؤشر نازداك وبدرجة أقل بمؤشر ستاندرد آند بورز عامي 2000 و2001 ترافقت مع ازدهار أسعار صرف الدولار مقابل كل العملات الرئيسية وحسب مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي بدأ الدولار السنة الجارية أعلى من قيمته الحقيقية بنسبة اقتربت من 14 في المئة لكن العامين المذكورين شهدا حركة عززت الكابح الاستثماري وتمثلت في تدفق قرابة تريليون دولار من الاستثمارات الدولية على أسواق السندات والأسهم الأميركية. الفرص الاستثمارية المغرية خارج الولاياتالمتحدة وأظهرت دراسة أجراها الاقتصادي جو كينلان وآخرون في "مورغان ستانلي" أن ضعف الأرباح المتوقعة للشركات في الفصل الثاني من السنة والقلق من المخالفات المحاسبية وتوافر فرص استثمارية مغرية خارج الولاياتالمتحدة جعلت المستثمر الدولي أقل ثقة بأسواق المال. وتراخى الطلب على الأصول الأميركية في الشهور القليلة الماضية ما أدى إلى تجدد مسلسل الخسائر في المؤشرات وبدء التراجع التدرجي لأسعار صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية. وكشفت الدراسة أن تراخي الطلب على الأصول الأميركية كان يمكن أن يتحول إلى انهيار لو أن المستثمر الآسيوي حذا حذو نظيره الأوروبي الذي فقد حماسته في وقت مبكر مساهماً في تدهور الاستثمارات الأوروبية بواقع النصف إذ بلغ صافي الاستثمارات المتدفقة على أسواق الأسهم الأميركية حصراً من منطقة اليورو العام الماضي 50 بليون دولار، م ايعادل نحو 44 في المئة فقط من قيمتها عام ألفين. واستمر تراجع الاستثمارات السهمية المتدفقة من منطقة اليورو بحدة في الفصل الأول من السنة حين لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأوروبية 5.9 بليون دولار، ما شكل قرابة 6 في المئة فقط من صافي الاستثمارات الدولية الإجمالية في الفترة المذكورة. وعزا كينلان هذا التراجع إلى أسباب إضافية مشيراً إلى أن الحرب الأميركية على الإرهاب وميول إدارة الرئيس جورج بوش إلى السياسات الحمائية لم تساعدا في تعزيز الثقة في أميركا. تريليونا دولار الثروة الصينية لكن الاقتصاديين لاحظوا أن الديناميات التي تُقلق المستثمر الأوروبي تتراجع في الأهمية عند المستثمر الدولي في شرق آسيا حيث يتركز القلق على الآثار السلبية التي قد يلحقها انهيار الدولار بالميزات التنافسية للصادرات الآسيوية، ما يفسر جملة المبادرات التي أطلقتها اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية أخيراً للحد من انزلاق الدولار. ولفتوا إلى أن العملة الأميركية تجد قوة إضافية في تملك الصينيين 1.5 تريليون دولار من الثروة السهمية والنقدية المقومة بالدولار علاوة على أسهم وعقارات بقيمة 500 بليون دولار. وللمقارنة بلغت التدفقات الاستثمارية من منطقة شرق آسيا عدا اليابان إلى أسواق المال الأميركية نصف التدفقات من منطقة اليورو عام ألفين وضعفها عام 2001 وتضاعفت ثانية في الفصل الأول من السنة الجارية. وفي حال اليابان مارس اليابانيون تقليدهم في بيع أصولهم الاستثمارية في بداية السنة لكنهم عادوا إلى الشراء سريعاً لوقف انخفاض الدولار. الذهب واستبعد الاقتصاديون احتمال حدوث انهيار كامل في تدفق الاستثمارات الدولية أو أسعار صرف الدولار بسبب الآفاق المشجعة للاقتصاد الأميركي الذي يُتوقع أن يحقق ضعف النسبة المتوقعة في منطقة اليورو واليابان السنة الجارية، لكنهم اعترفوا أن أكبر المخاطر التي يتعرض لها الطلب على الأصول الأميركية يكمن في تعاظم جاذبية الذهب وحذروا من أن لجوء المستثمر الآسيوي الى تحويل أصوله المقومة بالدولار إلى المعدن الأصفر بدافع الخوف من "مجهول" الواقع العالمي سيفقد الدولار آخر سدوده. وبرز من "المجهول" الذي يحذره الاقتصاديون العجز المتفاقم في كل من الميزان التجاري لأميركا مع العالم وحسابها الجاري وكشفت وزارة التجارة أول من أمس أن عجز التبادل التجاري في البضائع والخدمات سجل رقماً قياسياً جديداً حين بلغ 35.9 بليون دولار في نيسان أبريل الماضي، مرتفعا بنسبة 10 في المئة على الشهر السابق بينما قفز عجز الحساب الجاري من 95 بليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي إلى 112.5 بليون دولار في الفصل الأول من السنة الجارية. تراجع قيمة الصادرات السعودية وساهم في العجز التجاري الأميركي بعض الدول العربية مثل السعودية التي تراجعت قيمة صادراتها السلعية إلى أميركا بنسبة 38 في المئة في الشهور الخمسة الأولى من السنة بينما انخفضت قيمة وارداتها بنسبة 73 في المئة ونجم هذا الانخفاض الحاد عن تراجع قيمة الواردات السعودية من الأغذية والمشروبات والسيارات بقيمة 915 مليون دولار كما سجلت الواردات اللبنانية انخفاضاً ملموسا في بنود الأغذية والمشروبات والسيارات.