تحت جنح ظلام الليل وفي ظل منع التجول وبعيداً عن عدسات كاميرات الصحافيين نهاراً، واصل الجيش الإسرائيلي أمس لليوم الثاني على التوالي عمليات تنكيل وحشية بالفلسطينيين المسجونين داخل منازلهم، وشن حملات اعتقال واسعة تستهدف كل من يرتدي زي الشرطة أو قوات الأمن الفلسطيني وقيادات حركة "فتح" الميدانية والسياسية. ويسعى إلى النجاح في ما فشل في تنفيذه من مهمات خلال اجتياحه الأول لمدينتي رام الله والبيرة - العاصمة السياسية للسلطة الفلسطينية - أي "الشطب الكلي" للسلطة الفلسطينية وأجهزتها، تمهيداً لمرحلة جديدة يعد لها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ فترة يغيب عن مسرحها الرئيس ياسر عرفات ويتم فيها تكريس الاحتلال للأراضي الفلسطينية بعد اجتياح قطاع غزة الذي بات وشيكاً. على غرار ما يحدث في أفلام المطاردة الساخنة الأميركية، لاحقت مروحيات "أباتشي" الإسرائيلية بأسلحتها الرشاشة الثقيلة عشرات الشبان الفلسطينيين في ضاحية الطيرة في مدينة رام الله ليل الاثنين، معظمهم من أفراد قوات الأمن الوطني والشرطة الفلسطينية، ما أدى إلى اصابة عدد غير معروف منهم، فيما فشلت هذه القوات التي جلبت مزيداً من التعزيزات العسكرية في اعتقال أي من هؤلاء وفقاً لما أكده شهود ل"الحياة". ولا يزال المواطنون في محافظة البيرة ورام الله يعيشون كابوس الاحتلال لليوم الثاني على التوالي الذي لم تتوقف خلاله عمليات دهم المنازل واعتقال من فيها وتجميع الشبان الصغار أمام المباني السكنية واخضاعهم للاستجواب القاسي وركلات الجنود والضرب بأعقاب البنادق، قبل ترحيلهم إلى معسكر "عوفر" الاعتقالي المقام على أراضي بيتونيا غرب رام الله. وفشلت قوات الاحتلال في اعتقال عدد من قادة حركة "فتح" الميدانيين والسياسيين، من بينهم أمين سر الحركة حسين الشيخ الذي داهمت قوات كبيرة من الجنود منزله القريب من مستشفى رام الله الحكومي بعدما حاصرته بست دبابات، إلا أنها لم تجده. وطلب الضباط من زوجته وأولاده الصغار "ابلاغ" الشيخ بضرورة تسليم نفسه. كما حاولت القوات الإسرائيلية اعتقال أحمد نايف، أحد كوادر "فتح" وضابط سابق في جهاز المخابرات العامة وقوات حرس أمن الرئاسة القوة 17، وقصفت المبنى الذي اعتقدت أنه بداخله بعشرات القذائف، إلا أنها لم تجده هو أيضاً. وكذا الحال مع جهاد طملية، مسؤول حركة "فتح" في مخيم الأمعري في مدينة البيرة. وحولت القوة الإسرائيلية منزل مسؤول جهاز المخابرات العامة توفيق الطيرواي إلى ثكنة عسكرية. وبعد أن دمرت مقر حركة "فتح" في البلدية القديمة لمدينة رام الله، فجرت مبنى آخر مجاوراً للمقر. وأكد شهود ل"الحياة" أن الجنود الإسرائيليين يقومون بتفجير أبواب المنازل وتحطيمها قبل دخولها. وحولوا ليل السكان إلى نهار بعد أن حرموهم من النوم بسبب الأصوات المزعجة الصادرة عن هدير الدبابات والجرافات العسكرية الكبيرة التي لم تتوقف عن ملء محيط مقر الرئيس الفلسطيني بالركام وحطام السيارات المتوقفة في المنطقة والتي داستها الدبابات. ويجد الفلسطينيون صعوبة في تحديد عدد المعتقلين بسبب منع التجول الصارم. غير أن شهوداً أكدوا ل"الحياة" أنه تم اعتقال 60 طالباً من كلية دار المعلمين في مدينة رام الله وما لا يقل عن 31 شخصاً في منطقتي البيرة والأمعري. وأكد هؤلاء أن الجنود حرصوا على جمع أسلحة أفراد الشرطة والأمن الوطني الفلسطيني. وقالت مصادر إسرائيلية إن الاحتلال الإسرائيلي المتجدد لرام الله يستهدف القضاء على تنظيم حركة "فتح". وأشارت المصادر ذاتها إلى أن العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذت ضد أهداف استيطانية انطلقت من رام الله، وأنها تحاول القبض على من يمد المساعدة للفدائيين الفلسطينيين. وتتركز عمليات الجيش الإسرائيلي في محيط مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين والبلدة القديمة في مدينة رام الله، حيث تشير التعزيزات الواردة إلى المنطقة إلى أن قوات الاحتلال لا تنوي الخروج سريعاً من المدينة. وأكد مدير لجان الاغاثة الطبية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي ل"الحياة" أن الوضع الصحي في مدينتي رام الله والبيرة ينذر بوقوع كارثة، وأن ثمة نقصاً حاداً في المواد الغذائية بسبب حظر التجول، مشيراً إلى أن المواطنين لم يكونوا مستعدين للاجتياح الجديد. وأشار إلى أن ما يزيد عن 160 ألف مواطن يعيشون في سبعين قرية تحيط بمحافظة رام الله محرمون الآن من العلاج في المستشفيات والعيادات. وفي الشأن السياسي، أكد البرغوثي أن شارون "بات يبحث عن عملاء وليس عن شركاء في العملية السياسية"، مشيراً إلى خطورة الموقف الأميركي الذي افصح عنه الرئيس جورج بوش أول من أمس بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال البرغوثي إن مشكلة شارون "هي أنه لا يعرف أنه لم ولن يجد هؤلاء العملاء الذي يريدهم لأن الشعب الفلسطيني لفظهم في السابق وسيلفظهم الآن". وأعرب البرغوثي عن قلقه ازاء مصير الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي يعيش للمرة الثالثة خلال ثلاثة أشهر تحت حصار الدبابات الإسرائيلية وحراب الجنود الإسرائيليين الذين يتصيدون الجنود الفلسطينيين الذين في المقر واحداً تلو الآخر وسط صمت عالمي مطبق. وتوغلت القوات الإسرائيلية مجدداً في مدينة بيت لحم، وشنت حملة اعتقالات في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في المدينة. وبالقرب من مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي المواطنين في مدينة الخليل، اصيب ثلاثة مستوطنين يهود بجروح جراء انفجار قنبلة جانبية في الحافلة التي كانوا يستقلونها. واصيب جندي من قوات "حرس الحدود" الإسرائيلية بجروح بسكين طعنه بها فلسطيني في البلدة القديمة في القدس. وقالت مصادر إسرائيلية إن المهاجم فر من المكان. وفي قطاع غزة، الذي تزداد الأوضاع الميدانية سخونة فيه تمهيداً لاحتلال إسرائيلي بات وشيكاً، حسب اعتقاد مراقبين، استشهد شاب فلسطيني بنيران الجيش الإسرائيلي. وبعد أن أكدت مصادر إسرائيلية في وقت سابق ان الشاب كان مسلحاً، عادت وتراجعت عن روايتها وأشارت إلى أنه لم يكن مسلحاً. وواصل الجيش الإسرائيلي عمليات التفتيش والملاحقة في كل من مدينة طولكرم التي يحتلها لليوم الثاني على التوالي وفي مدينة الخليل.