اذا كان ارتفاع نسبة الطلاق هو ظاهرة عالمية، فإن سورية لا تشذ عن القاعدة إذ بلغ عدد حالات الطلاق 10888 حلاً بحسب الاحصائيات الرسمية لعام 2000، وبنسبة زيادة تصل الى 10 في المئة سنوياً عما كان عليه الوضع عام 1995 حيث سجلت 6856 حال طلاق. وعادة ما يتأخر ورود قسائم الطلاق من المحاكم الشرعية الى دوائر الاحوال المدنية، الأمر الذي يجعل من الأرقام أقل مما هي في الواقع. تعددت الأسباب والطلاق واحد، ولا فرق إن كان الزوج هو السبب او الزوجة، لكن الزواج في بداياته يكون أكثر عرضة للفشل. وتشير احصائيات سنة 2000 الى 3207 حالات طلاق تمت من دون ان يكمل الزواج عامه الأول. نوال 28 عاماً فتاة رقيقة وجذابة ولا تنقصها الثقافة، تزوجت زواجاً تقليدياً لم يستمر اكثر من خمس ساعات فقط، ويعتبر من أقصر الزيجات ولسبب يصعب تصديقه. فغشاء بكارتها مطاطي وعلى رغم تأكيدات الطب هذه الحقيقة، رفض الزوج، وبتحريض من والدته، الإبقاء عليها بحجة انها ليست بكراً، ولا تزال نوال تأمل بعودة طليقها اليها "أحببته في فترة الخطوبة ورأيت فيه زوجاً مناسباً يمكن ان أتقاسم معه حياة سعيدة وناجحة". لكن المطلقة المظلومة تعرف ان حكايتها ستجعل من الصعب على احد باستثناء طليقها ان يتقدم للزواج بها في مجتمع محافظ كالمجتمع السوري، كيف لا، وطلاقها مدرج احصائياً تحت بند أخلاقي نادراً ما يتم الاعتراف به، وقاربت حالاته المسجلة عام 2000، 50 حالاً. غيرة زائدة خالد 31 عاماً عاش قصة حب مع زميلته في الجامعة تكللت بزواج اعقب التخرج، كان يعرف غيرتها المجنونة لطالما شعرت ضمنياً بالسعادة. فالغيرة مؤشر على الحب ولم أقدِّر يوماً انها ستتحول الى جحيم يحرق كل ما عداه من عواطف. كل التفاصيل تحولت في حياة خالد محاضر تحقيق "أين ذهبت، ومع من تكلمت، ومن رأيت، ولماذا اهتمامك زائد بمظهرك هذا اليوم...". ولعل الحبيبة ثم الزوجة والمطلقة أخيراً كانت تدرك ان في غيرتها مقتل علاقتها الزوجية، لكنها ما استطاعت لها علاجاً سوى اعتذارات أفقدها التكرار معناها، فحاصرت زوجها حتى هرب من البيت ثم من حياتها. واستحوذت وقائع الطلاق الناجمة عن عدم التفاهم على أعلى نسبة اوردتها احصائية عام 2000 ووصلت الى 7810 من أصل 10888 حالاً، وعكست هذه النسبة ان الاختيار الخاطئ والتسرع في الارتباط يؤديان الى تحطم سريع للزواج. ويبدو مصطلح عدم التفاهم فضفاضاً يشمل التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والعامل الاقتصادي وغياب القبول النفسي... الهام 40 عاماً مدرسة ومتزوجة للمرة الثانية، وعلى رغم ان الزوج يصغرها بسبع سنوات الا انها سعيدة وترى فيه تعويضاً عن تجربة مريرة عاشتها مع زوجها الأول وهو ابن عمها. وتستذكر إلهام: "كان فاشلاً في دراسته وعمله وزواجه وأبوته، يترجم كل هذا الفشل الى عنف ضدي والى ضرب وإهانات، لا يردعه خجل من تقصيره في الإنفاق على منزله ولما افترقنا ترك طفله لأهلي وتزوج من اخرى سرعان ما طلبت الطلاق". الفقراء اكثر تطليقاً مشكلات الحياة ومتطلباتها صعبة وصارت كل فتاة تحلم بعريس يمتلك شقة فاخرة وسيارة فارهة، ومن أصل 10888 هي مجموع حالات الطلاق في عام 2000 وقعت 2179 حادثة كان أبطالها من الموظفين والعاطلين من العمل، في حين اقتصر العدد في صفوف التجار والملاك على 360 حالاً. أما حالات الطلاق المصرح عن دوافعها المالية فلم تتعد 153 حالاً. في المقابل، تروي هنادي حكاية صديقة لها تزوجت بالطريقة التقليدية وتوسمت في العريس كل الصفات التي تتمناها اجتماعياً ومادياً، وبعد سنة شعرت بأن المنزل يفتقد المشاعر والألفة وتسكنه السلبية واللامبالاة، والشيء الوحيد الذي تفاهما عليه هو الطلاق. الطلاق الناجح قاسم عمر مأذون شرعي يرى في كلمة طالق معولاً يهدم البيوت ويقطع أواصر الأرحام والمحبين ويحيل الفرح حزناً والأمل يأساً ومع ذلك لا يشكك في جدوى الطلاق وحاجة كلا الزوجين اليه اذا ما تعذر العيش تحت سقف واحد وحل البغض محل المودة، فالواجب عندئذ ان يفترقا بمعروف كما اجتمعا. علا الخطيب اخصائية تربوية تتحدث عن طلاق ناجح لخصه القرآن الكريم بعبارة "أو تسريح بإحسان" أي بعدالة واتفاق بين الطرفين ومصارحة الأطفال في حال وجودهم وضمان استمرار الحياة الأسرية مراعاة لهم والحرص على تأدية حقوق المسكن والنفقة والتواصل المستمر مع الأبناء الذين غالباً هم الضحية الأولى للطلاق الظالم. لا شك في ان كلمة مطلقة لم تعد مخيفة كما كانت في الماضي، بل ان الفوارق في نظر المجتمع بين المطلق والمطلقة تكاد تتلاشى، وعلى رغم سيل البرامج التلفزيونية والاذاعية والمقالات الصحافية التي تتناول بالنقاش والتحليل حكايات الطلاق المختلفة الا ان ثمة خطاً احمر لا يرغب طرفا المشكلة في الاقتراب منه لتبقى الأحاديث على جرأتها أحياناً ملامسة للقشور ومبتعدة من بواطن الأمور.