يصعب، وسط صور الموت والحصار التي تتالى من رام الله والمدن الفلسطينية الأخرى، التوقف عند أي حدث أو ملاحظة. لكن الأحداث غالباً ما تلفت إلى قدرة الصحافيين على مواكبتها. من رام الله تطل علينا شيرين أبو عاقلة. من تلفزيون "الجزيرة"، وقد صار اسمها كثير التداول بين الناس، بعد أن يضاف إليه تعبير "رائعة". تتسم تقارير أبو عاقلة بدقة مدهشة، وهي على رغم هول الأحداث التي تنقلها تبتعد عن اللغة الخطابية، لتأتي تقاريرها غنية بالمعلومات، تكتنز قدراً من الحماسة في لغة بسيطة جداً و"علمية". ومن أهم أسباب تميّز شيرين، أن عدداً لا بأس به من المراسلين العاملين في فضائياتنا العربية، تأخذهم الحماسة والإنفعال أمام هول الأحداث التي يغطونها وخطورتها، فيغلب الاطناب على تقاريرهم، وتغرق مراسلاتهم في الطابع "الشعاراتي"... أما هي، وإن ذوقت تقاريرها بالكثير من التعابيرالحماسية والأدبية أحياناً، فإنها لا تغفل أنها تؤدي مهمة إعلامية، وتلتزم القواعد المهنية الإخبارية. تلفت أبو عاقلة أيضاً وهي ليست الوحيدة في هذا الإطار إلى أن للصورة دوراً مهماً وأولوياً تؤديه في العمل التلفزيوني، فلا تسترسل في تعليقها على الصور التي تبث. من جهة ثانية، لا تظهر شيرين أمام الكاميرا بهيئة "النجوم"، بسيطة وهادئة دائماً، وتتحدث بعربية صحيحة لا يعتريها أي تشويه، ولا تقع في الأخطاء البديهية. وهي لا تتخلى عن طبعها هذا في كل الظروف، هادئة هي عندما تكون في "قلب المعركة" ،إذا صح التعبير تنقل ميدانياً الأحداث، وهادئة كانت وهي محاصرة وزملاء لها في مبنى مكتب "الجزيرة". في ذلك اليوم بالتحديد أبدت تميزاً، فقد آثرت الإبتعاد عن الإدعاء، وأصرت ألاّ تجزم في ردودها على الأسئلة التي تطرح عما تتعرض له رام الله، موضحةً أن كل ما تنقله يأتي نقلاً عن شهود آخرين، لم تلتقهم هي المحجوزة في الطبقة الخامس من مبنى مكتب المحطة. وكانت على رغم صعوبة الموقف الذي تعيشه منضبطة مسيطرة على أجواء المكتب، تتلقى الأخبار من زملائها، تقرأها، وتتابع في الوقت نفسه لقاءات تجريها هاتفياً مع مسؤولين فلسطينيين بكل تركيز، وتجيد اختيار الأسئلة التي تطرح. لم تكن أبداً خائفة، بدت متعبة قليلاً، وأطلت في اليوم الثاني بكامل نشاطها. لا يمكن انكار الخطر الذي يتعرض له أي صحافي قرر أن يتولى تغطية أحداث دامية... خصوصاً أن ظهوره مباشرة على الشاشة لمرات عدّة يومياً، لا يسمح له ب "تهذيب لغته"، واختيار أجمل الألفاظ. وهو، وإن كان معنياً بالساحة التي تشهد الأحداث، ومنتمياً إليها، يواجه صعوبة جمّة في التعاطي مع هذه الأحداث ببرودة تامة. لكن بعض الصحافيين، يمزج الموهبة إلى التكوين المهني الصارم والشخصية المميزة، فيأتي عمله متماسكاً ومفيداً. هكذا هو إداء شيرين أبو عاقلة، صوت إمرأة صحافيّة من فلسطين تخاطب الرأي العام العربي، برويّة وثقة وهدوء.