ثمة من يقول ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قال للرئيس الأميركي بيل كلينتون وهو يواجه ضغوطه للقبول بما عرضه عليه اثناء مفاوضات كامب ديفيد في تموز يوليو من العام ألفين انه إذا وقّع على ما يُعرض عليه فإنه سيُقتل لأن في مشروع الاتفاق آنذاك تنازلاً عن جزء من الأرض، وعن السيادة الكاملة في بعضها لمصلحة الرقابة الأمنية الإسرائيلية، وتخلياً عن بعض القدسالشرقية عبر التسليم بدور اسرائيلي في ادارة المقدسات بما فيها سور الحرم الشريف اي حائط البراق وعن حق العودة للاجئين.... وكان جواب كلينتون آنذاك ان بلاده ستفعل ما تستطيع لتأمين حمايته "وعلى كل حال إذا قتلوك فهذا فداء عن الآلاف من ابناء شعبك". كان عرفات يعتبر ان القبول بعروض كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك يعني تنازلاً يفضي الى حرب بين الفلسطينيين. ويضيف الراوي ان أبو عمار فضّل ان يقتل الفلسطينيون على يد الإسرائيليين بدلاً من ان يقتتلوا بين بعضهم بسبب تنازلات يقدمها هو في مفاوضات "الوضع النهائي"، تسقط ما يعتبرونه حقوقاً يجمعون على أن لا تراجع عنها. إلا ان الواقعة، إذا صحت، دليل الى ان الأميركيين لم يكونوا بعيدين من تلك الأجواء التي نشهدها الآن، وكانوا يتوقعون ان يقتتل الفلسطينيون... والفارق بين العام 2000 والعام 2002 ان الإدارة الجمهورية اليمينية المتشددة هي التي تتولى مقاليد اميركا لا كلينتون، وأن هجمات 11 ايلول سبتمبر ضد نيويوركوواشنطن عززت من انحياز هذه الإدارة لإسرائيل وأن الانتخابات الأميركية التشريعية المنتظرة في الخريف المقبل تدفع جورج دبليو بوش الى دعم اسرائيل أكثر، استرضاء لأصوات اليهود. وهو غير آبه باسترضاء اصوات العرب الأميركيين لأن دولهم تلتهي عن تنظيمهم كي يلعبوا دوراً في السياسة الأميركية الداخلية بالاستغراق في العجز. ومع ذلك ثمة تقاطع بين كلينتون وبوش: الأول ايضاً كان يسترضي اسرائيل للحصول على أصوات اليهود لنائبه آل غور في حينه. إلا ان العودة الى الوراء اكثر من العام 2000، الى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، تقود الى مقارنة من نوع آخر، في السياسة الأميركية ايضاً. ووجه الشبه مع ما نشهده في الصراع العربي - الإسرائيلي بعد عشرين سنة هو الدور الأميركي، ومن عاشوا لحظات اجتياح لبنان لا ينسون تفاصيل دور الموفد الأميركي فيليب حبيب، وهو مثل دور الجنرال انتوني زيني الآن في فلسطين. الأول كان ينتظر ابان حصار القوات الإسرائيلية لبيروت، ان يفعل القصف الإسرائيلي المدمر فعله ليتلذذ بمفاوضة السلطات اللبنانية له على إدخال بعض الحليب الى العاصمة، ليعود فيبلّغ الموقف الإسرائيلي: "صحيح ان الحليب مطلوب ادخاله للأطفال لكنه يعطي نشاطاً للمقاتلين الفلسطينيين إذا شربوه". أما "ورقة فيليب حبيب" الشهيرة فكانت محور المفاوضات وتضمنت: خروج الفلسطينيين من لبنان، عددهم، ضمان عدم عودتهم ثم التفاوض على انسحاب الإسرائيليين، الى ان اتت الضمانات بخروج عرفات معهم سالماً. والآن ينتظر زيني نتائج العمليات العسكرية لمعرفة موقف عرفات من ورقته التي رفض الأخير توقيعها. يقبع في الفندق، يحضر الولائم الإسرائيلية على شرفه كما كان يفعل حبيب احياناً لعل ما يقوم به الإسرائيليون من مجازر وانتهاكات وحصار يجبر الرئيس الفلسطيني على التوقيع عليها. وفي ورقة زيني تعديل، هكذا من جانب واحد كتفاهم تينيت، وإلزام لعرفات بتسليم كوادر اساسية ليس من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والتنظيمات الأخرى، بل من "فتح" ايضاً، وفي طليعتهم مروان البرغوثي وتوفيق الطيراوي وغيرهم. أما المطلوب من الجانب الإسرائيلي فمؤجل التنفيذ. واعتبر عرفات ان هذه الورقة تناقض تفاهم تينيت، وتقرير ميتشل. وكي لا تبدو المقارنة إسقاطاً للأمس على اليوم، لا بد من تسجيل الفارق: عرفات على أرضه وليس على أرض غيره، والخريطة السياسية الفلسطينية اليوم هي غيرها العام 82... وقد لا تقف المتغيرات عند ذلك. لكن وجه الشبه الأكيد هو ان واشنطن تدير في الحالين، الحرب ضد الفلسطينيين. هل يذكر الأميركيون ماذا حصل في لبنان والمنطقة لمصالحهم؟ هم بالتأكيد لديهم ذكريات بغيضة عما شهدوه في تلك الحقبة. لكن السؤال الأهم الذي يجب ان تفكر به واشنطن هو: هل ان فرض تعديل المناهج التربوية العربية يمكن ان يمحو من الذاكرة ما يشاهده الشباب العربي الغاضب في الشوارع هذه الأيام، من صور لما يجري في فلسطين؟