أفشل المقاومون الفلسطينيون امس خمس محاولات بذلتها قوات الاحتلال الاسرائيلي لاقتحام مخيم جنين للاجئين. وواصل الجيش الاسرائيلي اعتداءاته في رام الله وبيت لحم حيث طوّقت الدبابات كنيسة المهد وكنيستي السريان وسانتا ماريا واقتحم الجنود مقر بلدية المدينة. وسقط امس ثمانية فلسطينيين شهداء في الضفة الغربية بينهم خمسة مدنيين. وفيما تدهور الوضع الانساني لسكان الضفة الغربية، كشفت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن حوار بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ورئيس الاركان شاؤول موفاز بحثا فيه سبل "القضاء" على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حوّل الجيش الاسرائيلي بقواته النظامية ووحدات الاحتياط والقوات الخاصة ثلاثة ملايين ونصف مليون انسان فلسطيني رهائن يعيشون تحت "رحمة" جنود تؤكد تصرفات غالبيتهم انهم فقدوا هذه الصفة الانسانية منذ زمن بعيد. فلم يشهد التاريخ على قوة محتلة تقطع الماء والكهرباء ووسائل الاتصال عن مئات ألوف البشر وتبقيهم سجناء في منازلهم وقراهم ومخيماتهم بينما تواصل عمليات القصف والاقتحام والتخريب لكل ما له علاقة بالحياة والحضارة. ويؤكد كبار السن من المواطنين في مدينتي رام الله والبيرة انهم لم يشهدوا للاحتلال الحالي مثيلاً حتى في حرب الايام الستة عام 1967. وبعد ستة ايام من الاحتلال، ما زال الجنود الاسرائيليون يقتحمون البيوت ويحتجزون اصحابها رهائن ويحشرونهم بعضهم فوق بعض في غرف صغيرة، ويفتشون المنازل ويقلبونها رأساً على عقب وينتشلون ما تقع عليه أياديهم من أشياء قيّمة، بينما ينفذون حملات سلب حقيقية لمؤسسات السلطة الفلسطينية ووزاراتها ويحرقون الوثائق والخرائط. ولا يستطيع الصحافيون وممثلو وسائل الاعلام الوصول الى المواقع للوقوف على تفاصيل المعلومات التي يتلقونها وذلك بسبب احتجازهم هم ايضاً في مكاتبهم واطلاق النار على كل مخلوق يشاهده الجنود يتحرك في الشوارع. والتفسير الوحيد الذي يقدمه المواطنون لتصرفات الجنود الذين يتقن العديد منهم اللغة الانكليزية بلكنة اميركية واضحة هو مستوى الحقد الذي يكنّه هؤلاء، او الذي شُحنوا به، قبل ان يصلوا الى المدن التي يحتلونها. وقُطعت المياه كلياً في أحياء بأكملها في المدينتين بينما قُطعت الكهرباء في أحياء اخرى وايضاً شبكات الهواتف، فيما ضُربت أنظمة بعض الهواتف الخليوية التي تحوّل الكثير منها الى قطع حديد لعدم امكان شحن بطارياتها بسبب انقطاع الكهرباء. ويساور من يجول في شوارع المدينتين المُدمرتين شعوراً بأن إعصاراً ضربهما من حجم الدمار والتخريب. وفي اسرائيل اعلنت مصادر رسمية عن ارتياحها للتغطية الاعلامية العالمية لحربها ضد الفلسطينيين لأنها "نجحت في تفنيد ادعاءات الفلسطينيين وايصال رسالتها بأن المستهدفين فقط الارهابيون". وسقط ثمانية شهداء خمسة منهم من المدنيين الفلسطينيين في بيت لحم ومخيم جنين. وفي بيت لحم، مهد السيد المسيح، لم تكن اوضاع السكان افضل حالاً، فالتيار الكهربائي قُطع بدوره عن احياء عدة في المنطقة. وتصاعد الدخان من مسجد عمر بن الخطاب المُتاخم لساحة كنيسة المهد بفعل القذائف الاسرائيلية. وانضم إلى السكان الذين احتجزوا في منازلهم تحت أوامر حظر التجول الصارمة، كهنة ورجال دين مسلمون ومسيحيون علقوا في قلب كنيسة المهد حيث ولد السيد المسيح بعدما احتل الجنود ساحتها والمباني المحيطة بها واحتجزوا الصحافيين والاعلاميين الذين كانوا في مبنى البلدية، ولم يُعرف مصيرهم حتى الآن. وفي مخيم عايدة، قرب بيت لحم، ما زالت جثتا ام وولدها قتلا منذ اول من امس جراء القصف الاسرائيلي على منزل العائلة، "تتحللان" أمام أعين الأطفال وأفراد عائلتهما بسبب عدم سماح الجنود الاسرائيليين لسيارات الاسعاف او الصليب الاحمر بإخلائهما. واضطر والد الاطفال الموجودين في المنزل الى نقل اطفاله الى غرفة الحمام لينقذهم من المشهد المأسوي. ومنذ فجر امس استشهد ثلاثة فلسطينيين من بينهم ضابط في قوات الامن الوطني خلال المعارك الضارية التي شهدها محيط كنيسة المهد. ومع بزوغ الشمس اعلن غبطة بطريرك اللاتين في القدس ميشيل صباح، ان المقاتلين الفلسطينيين مُنحوا اللجوء داخل كنيسة المهد بعدما تركوا أسلحتهم، غير ان الجنود الاسرائيليين الذين شدّدوا حصارهم على الكنيسة التي يوجد في داخلها نحو 200 شخص من بينهم رجال دين واطفال ونساء، مطالبين المقاتلين بتسليم انفسهم. وما زال عدد الجرحى الموزعين في الكنائس والبيوت غير معروف حتى الآن. معارك بطولية في جنين وبعد مرور اقل من شهر على احتلال القوات الاسرائيلية مدينة جنين ومخيمها اقتحم مئات الجنود وعناصر الوحدات الخاصة الاسرائيلية، تساندهم الدبابات، المنطقة منذ الساعة الرابعة فجراً. وأفاد شهود عيان ل"الحياة" في اتصالات هاتفية ان المقاتلين في مخيم جنين صدّوا خمس محاولات لاقتحامه خلال معارك ضارية أظهر فيها المقاتلون إصراراً غير مسبوق على صدّ الاحتلال. وقال الجيش الاسرائيلي ومصادر أمن فلسطينية ان اقتحام سلفيت وجنين قوبل بمقاومة عنيفة واندلعت المعارك بين الجانبين. وترددت اصوات الانفجارات وتبادل النيران في جنين مع تقدم عشرات الدبابات من ثلاث جهات بينما حلّقت طائرات الهليكوبتر الحربية في السماء. وذكر الجيش الاسرائيلي ان الدبابات والقوات تعرضت لنيران من مسلحين فلسطينيين وهي تدخل سلفيت قرب مدينة قلقيلية على الحدود بين اسرائيل والضفة الغربية. واستشهد حتى ساعات ما بعد الظهر خمسة فلسطينيين من بينهم أحد قادة كتائب شهداء الاقصى التابعة لحركة "فتح" زياد الزبيدي 35 عاماً الذي يصفه المواطنون بأنه "مقاتل حقيقي"، وأحد اعضاء الكتائب جودت مشارقة 22 عاماً والطفل محمد حواشين 13 عاماً والممرضة رقية الجمال 27 عاماً والشاب هاني ابو رميلة 18 عاماً خلال الهجمات المتكررة على المخيم. وأكد شهود عيان ان الدبابات الاسرائيلية استعانت بعدد كبير جداً من الجنود المشاة في محاولة الاقتحام الخامسة. وان جندياً اسرائيلياً قتل وجرح ثلاثة آخرون خلال الاشتباكات معهم وتمكن المقاتلون من تجريدهم من بنادق "ام 16" التي بحوزتهم. كما اعلنت المقاومة انها أعطبت ثلاث دبابات اسرائيلية بالعبوات الناسفة فيما اطلقت قذيفة من نوع "آر بي جي" باتجاه احدى الدبابات. ويشارك في محاولات الاقتحام مروحيات "أباتشي" الحربية وعشرات الدبابات والمجنزرات. ودمّرت قوات الاحتلال محولات الكهرباء وقطعت التيار الكهربائي عن المخيم واجزاء من مدينته التي لا تزال مواجهات حامية تجري في بعض احيائها. وأكد أحد المقاتلين الفلسطينيين في مخيم جنين ل"الحياة" ان المقاتلين سيواصلون القتال حتى الرمق الاخير ولن يستسلموا او يسمحوا للجنود باحتلال المخيم إلا على جثثهم. واضاف ان المقاتلين رفضوا الانسحاب من المخيم على رغم علمهم بنية الجيش اقتحامه. وكثف الجيش الاسرائيلي من حشوده على مشارف مدينتي الخليل جنوبالضفة الغربية ونابلس شمالها استعداداً لإعادة احتلالهما ليكون الجيش الاسرائيلي قد أعاد احتلال كامل مناطق السلطة الفلسطينية باستثناء مدينة أريحا. الى ذلك، تناقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية تفاصيل حديث متبادل بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس اركان جيشه شاؤول موفاز اثناء جلوسهما أمام الصحافيين بينما كان أحد "الميكروفونات" التابعة للصحافيين مفتوحاً من دون علمهما. ويتلخص الحديث في قول موفاز لشارون "علينا انتهاز الفرصة للقضاء على عرفات"، فردّ شارون: "افعل ذلك ولكن بالطريقة التي تجدها مناسبة". وكان شارون أكد في غير مناسبة انه لا ينوي القضاء على عرفات بل "عزله او طرده". وفي قطاع غزة، استشهد الشاب محمود موسى صالح 22 عاماً من مخيم جباليا في ساعة متقدمة من ليل الثلثاء - الأربعاء في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الاسرائيلي شمال بلدة بيت حانون الواقعة شمال قطاع غزة. وشيع آلاف الفلسطينيين بعد صلاة ظهر أمس الشهيد صالح الى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء. ونعت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذراع العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان أصدرته في غزة أمس الشهيد صالح الذي قالت انه اقتحم كيبوتس "ايرز" الواقع على أراضي قرية دمرة الفلسطينية المدمرة الواقعة شمال حاجز ايرز العسكري واستشهد الرفيق البطل بعد اشتباك مسلح مع قوة من جنود الاحتلال، مشيرة إلى أن "راديو العدو اعترف بجرح عدد من الجنود الصهاينة، وشوهدت الطائرات المروحية تنقل الجرحى الى المستشفيات". وأشارت مصادر طبية في مستشفى الشفاء في غزة أمس الى أن قوات الاحتلال نكلت بالشهيد صالح وشوهت جثته بعد اصابته برصاصات في رأسه وصدره. من جهة أخرى، توغلت دبابات وآليات الاحتلال في القرية البدوية الواقعة قرب بلدة بيت لاهيا شمال القطاع من الجهتين الشرقية والشمالية، وحاصرت عدداً من بيوت الصفيح التي يعيش فيها سكان القرية واعتقلت مواطنين من أحد هذه البيوت. واستمرت العملية نحو أربع ساعات انسحبت بعدها الدبابات والآليات الى المستوطنات اليهودية القريبة. كما توغلت فجراً الدبابات والآليات في منطقة قيزان النجار جنوب مدينة خان يونس تحت وابل من قذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة. وقال شهود ان قوات الاحتلال اعتقلت أربعة مواطنين واقتادتهم الى جهة غير معلومة، قبل أن تعود وتطلق اثنين منهم. وفرضت قوات الاحتلال فجر أمس نظام حظر التجول على قرية الجعفراوي جنوب مدينة دير البلح القريبة من مستوطنة "كفار داروم" اليهودية. الى ذلك، اعتصم عشرات الموظفين الفلسطينيين العاملين في عدد من منظمات مكاتب الأممالمتحدة ظهر أمس أمام مكتب المنسق الخاص لنشاطات الأممالمتحدة في الأراضي الفلسطينية احتجاجاً على "الهجمة العسكرية الاسرائيلية الشرسة" ولتوجيه رسالة منهم الى المجتمع الدولي والأممالمتحدة للعمل على تطبيق قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية، والعمل بجدية وبسرعة لانهاء الحملة الاسرائيلية الهمجية ضد الشعب الفلسطيني.