نشطت الاتصالات خلال اليومين الماضيين، من أجل التمهيد لمعالجات هادئة للخلافات الرئاسية اللبنانية بعدما انتهت جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت الخميس الماضي الى تأجيل الخلاف ومعالجة أسبابه، لمدة اسبوعين، حيث سيعود المجلس الى دراسة ملف خصخصة الهاتف الخلوي، من أجل حسمه. ويفيد عدد من الوزراء من المهلة الفاصلة عن الجلسة المقبلة من أجل إيجاد مناخ يساعد على استعجال بتّ هذا الملف. وهم بدأوا اتصالات لهذا الغرض. قال وزير لبناني ل"الحياة": "على رغم ان جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي لم تنتهِ الى اتفاق نهائي بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري يزيل أسباب التوتّر التي كانت سائدة بينهما "بالواسطة"، وفي الإعلام، فإن ردّهما، مع سائر الوزراء، سواء المقرّبون منهما أم غيرهم، على معظم التسريبات التي أبرزت خلافهما وأسبابه، خلال الجلسة، أدّى الى تنفيس الكثير من الاحتقان". وأضاف الوزير نفسه: "قال كل من لحود والحريري بعض ما عنده أمام 29 وزيراً، وفتح الملف بتفاصيله، بما فيها الاتهامات في الإعلام لكل منهما عن حصص بعض المقرّبين منهما أو سعي بعض هؤلاء الى الحصول على حصص في قطاع الهاتف الخلوي قبل خصخصته وبعدها. وهذا وفّر على أي وسيط بينهما ان يقوم بنقل الاتهامات وتوضيح كل منهما لها، ما يسمح للوسطاء بعد الآن بالانطلاق من ردّ كل منهما على الاتهامات الموجّهة إليه عبر "جماعته" أو محيطه". واعتبر الوزير ان قبل الجلسة كانت الأجواء مشدودة، الى درجة ان أحد الوزراء الذين شجّعتهم دمشق على نصح الرئيسين بأن تكون خلوتهما التقليدية قبل جلسة مجلس الوزراء، طويلة كي يعالجا فيها عدداً من أسباب الخلاف التي حفلت بها الأسابيع الماضية، لم يوفّق في مسعاه، فجاءت خلوتهما قصيرة، لدقائق من دون البحث في التفاصيل. ورأى الوزير نفسه ان لحود والحريري ضبطا أعصابهما خلال الجلسة، في ردّ كل منهما على انتقادات الآخر، أو على الانتقادات التي يسوقها فريق كل منهما عبر الاعلام وفي الكواليس، للآخر، فحافظا على هدوئهما في ردودهما. وأسهم في ذلك النقاش التقني والقانوني الذي حصل في شأن موضوع الخلوي. فهو انتهى الى اتفاق على معاودة بحث الموضوع بعد ان يحصل الوزير المختص على إجابة واضحة عن سؤالين: الأول هو: هل يحق للحكومة مباشرة خصخصة قطاع الخلوي والشركتين الحاليتين اللتين تديران هذا القطاع موقتاً بعد فسخ العقد معهما؟ والسؤال الثاني هو: هل يحق للشركتين ان تشاركا في المزايدة الدولية، في وقت تقومان بإدارة القطاع موقتاً على رغم فسخ العقد السابق معهما. وجاء هذا التأجيل ريثما تتم الإجابة عن السؤالين، حلاً وسطاً بين اقتراح مؤيدي لحود الذهاب في النزاع مع الشركتين الحاليتين على تعويضات مطلوبة منهما الى النهاية وتسلّم الدولة القطاع قبل خصخصته، وبين إصرار الحريري على مواصلة خيار الخصخصة والإسراع فيها. كما أنه حلّ وسط يتجاوز اتهامات محيط كل منهما للآخر بأنه يسعى الى تسهيل إفادة بعض المقرّبين من حصص في هذا القطاع... وإذ أكد كل منهما ارتياحه الى النتائج، فإن البناء على هذه الايجابيات انطلق في ثلاثة اتجاهات: - الأول: لقاء نائب رئيس الحكومة عصام فارس مع الحريري ليل أول من أمس حيث أكد الحريري انه لا يريد ولا ينوي الاختلاف مع رئيس الجمهورية. - الثاني: لقاء لحود امس مع وزير الاعلام غازي العريضي، الذي جرى فيه تقويم نتائج الجلسة والتعمّق في بعض ما ركّزت عليه من أمور. وعلمت "الحياة" ان ما تداوله لحود مع وزير الاعلام ربما كان بداية لمساع جدّية من أجل اتفاق يضمن معالجة بعض جوانب الأزمة الاقتصادية بعيداً من التجاذب. - الثالث: ان دمشق تلاحق من بعد تفاصيل المحاولات للتهدئة بين الرئيسين، وهي شجّعت وتشجع وزراء على مواصلة هذا الدور ناصحة بعدم الالتفات الى محاولات بعض المقرّبين من الرئيسين تأجيج الخلاف. وفيما غادر الحريري أمس الى الصين في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، عكس فارس جهود التهدئة امس، فقال في تصريح له ان "المناخات الايجابية على الساحة الداخلية تنعكس ايجاباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وأجواء التشنّج والاحتقان تضعف الثقة وتؤثر في الدورة الاقتصادية وفي الحركة السياحية، خصوصاً ونحن على أبواب فصل الصيف". وأعرب فارس عن اعتقاده "أن ما قاله كل من رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء الاحتكام الى الدستور والقانون والحوار في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وضع الأمور في نصابها الصحيح". ولفت الى "حال القلق وعدم الاستقرار التي يمرّ بها الديبلوماسيون اللبنانيون جراء التأخير في اصدار المناقلات والضرر الذي يلحق بالمصلحة الوطنية بشغور سفارات مهمة في هذا الظرف كبعثة لبنان الدائمة لدى الأممالمتحدة في نيويورك حيث الوضع في الجنوب يقتضي اليقظة الدائمة في المنظمة الدولية، وكبعثة لبنان الدائمة لدى اليونيسكو في باريس حيث نحن في صدد التحضير لمؤتمر القمة الفرانكوفونية". الى ذلك، رأى الرئيس المنتخب لحزب الكتائب اللبنانية كريم بقرادوني ان الدور التاريخي للكتائب "هو ان تكون جسر عبور ما بين رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية". وقال في حديث إذاعي: "نحن مستمرّون في هذه الفلسفة التي أطلقها بيار الجميل مؤسس الحزب وإلا صرنا بين خياري الهجرة أو التحوّل الى أهل ذمّة". وشدّد على "ان النموذج الذي يجسّده الرئيس لحود هو النموذج الصحيح وعلى الآخرين الاقتداء به"، مطالباً "بتمثيل الكتائب في أي حكومة مقبلة، لأن دخول الكتائب الى الحكومة في شكل جزءاً من التمثيل المسيحي في السلطة". وقال بقرادوني: "ان المطلوب ليس تغيير الحكومة بأخرى بل برمجة كل الخطوات والمشاريع بشكل واضح ومنهجي، ولا مصلحة الآن في اعادة النظر في اتفاق الطائف لأن ذلك يعني الذهاب الى المجهول"، مطالباً بتنفيذ كل بنود الاتفاق بحرفيته نصاً وروحاً.