يشكل جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني الذي يُعقد بعد ظهر اليوم مادة دسمة لعودة الخلافات الى الظهور بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري، خصوصاً انه يتضمن بنداً مهماً هو عرض مجموعة من التقارير في شأن الهاتف الخلوي، بعد ان كانت الحكومة فسخت عقد BOT مع شركتي الهاتف النقال في حزيران يونيو من العام 2001، تمهيداً لبيع رخصة هذه الخدمة لمدة عشرين سنة بمزايدة دولية، في إطار خطوات الدولة خصخصة عدد من القطاعات. وتشكل التجاذبات حول خصخصة الهاتف النقال خلفية النقاش الذي يمكن ان يحصل داخل مجلس الوزراء. وينتظر ان يناقش المجلس تقريراً عن تقدير التعويضات التي يفترض بالدولة دفعها لشركتي الخلوي، وضعته شركة KPMG، مقابل فسخها عقد الBOT، اضافة الى النزاع بين الحكومة منذ الحكومة السابقة برئاسة الدكتور سليم الحص مع الشركتين على تعويضات للخزينة اعتبرتها وزارة الاتصالات والحكومة ناجمة عن تجاوزات من الشركتين لاحكام عقد التلزيم أدت الى ازدياد ارباحها، لارتفاع عدد مشتركي كل منهما عن 250 ألف مشترك، وبفعل الخدمات الاضافية التي قدمتاها. وكان النزاع على هذه التعويضات التي قدرتها الحكومة السابقة ب600 مليون دولار على الشركتين، قد تسبب بلجوئهما الى التحكيم في باريس. ثم جمدت دعوى التحكيم. إلا ان وزارة الاتصالات أحالت بند تحصيل هذه التعويضات لمصلحة الحكومة من الشركتين على مجلس الوزراء اليوم، معطوفاً على تقرير التعويضات لمصلحة الشركتين والتي تتراوح بين 155 مليون دولار لإحدى الشركتين ومبلغ 168 مليون دولار للثانية، على ان يحسم مجموعهما من مبلغ 600 مليون دولار لإنهاء معاملة فسخ عقد التلزيم. وتتباين الآراء في طريقة التعاطي مع هذين الموضوعين، داخل مجلس الوزراء الذي قد يحيل الخلاف الى لجنة وزارية، بحسب قول مصادر رسمية مطلعة على التفاصيل. إلا ان الوسط السياسي الضيق يلغط منذ ايام بمعطيات عما يجرى على جبهة الخلوي، منها: 1 - ان سبباً رئيساً من اسباب الخلاف الرئاسي، ان التحضيرات للمزايدة العالمية شهدت في الكواليس مفاوضات في شأن حصص مساهمين في شركتي الخلوي الحاليتين اللتين ستشاركان حكماً في المزايدة العالمية، بعد الحصول على تمويل خارجي. ويقول موالون للعهد ان الحريري أفسح في المجال امام احد القريبين منه من المساهمين في احدى الشركتين، كي يشتري اسهم شركائه تمهيداً لتملك حصة كبرى في الرخصة الآتية. ويرى الموالون القريبون من العهد ان الحريري يسعى بذلك الى السيطرة على جزء كبير من القطاع الذاهب الى الخصخصة. ويرد المطلعون على موقف الحريري بنفي علاقته بما يجرى بين الشركاء في أي من الشركتين وبأن الأمور تتم بين هؤلاء وفقاً لمصالحهم ولمنطق السوق. لكن الموالين للعهد يشيرون الى حصول المقربين من الحريري على تمويل من احد المصارف التي يملكها. ويعتبر المحيطون بالحريري ان اقتراض اي رجل اعمال من مصرفه يخضع للأصول ولا يمكنه منع ذلك. في المقابل، يقول بعض المطلعين ان نافذين من المحيطين بالعهد، أجروا اتصالات بشركتي الخلوي للحصول على حصص فيها، بأسعار تقل بكثير عن قيمة الأسهم فيها، معتمدين بذلك على نفوذهم، لطرح شروط لم تقبل بها الجهات المعنية في الشركتين. وهذا ما أدى بهؤلاء الى تحريض العهد ومحيطه على الحريري. لكن المقربين من العهد ينفون علمه بكل ذلك، خصوصاً ان لحود لا يقبل ان يستغل اي كان صلته السياسية بالدولة من اجل المال والأعمال. 2 - ان اجواء من التشنج تزداد حدة بين فريق موالٍ للعهد وبين الفريق المحيط بالحريري، بسبب التنافس على النفوذ في السلطة وعالم المال والأعمال، ما ادى الى مشادة واشتباك بالأيدي بين وزيرين ... وترك الأمر استياء لدى المراجع العليا. 3 - ان هذه التطورات دفعت بالرئيس لحود الى التفكير بالعودة عن مشروع بيع رخصة الهاتف النقال. واقترح بعض الموالين له، وأن تدير هي هذا المرفق عبر هيئة "أوجيرو"، وهي موقع نفوذ معيّن في السلطة. وهذا الخيار له تأثير في توجهات الحكومة نحو الخصخصة، إذ ان الحسابات التي أدت بالحريري الى السعي لاستصدار قرار الخصخصة من مجلس الوزراء تفيد انه سيؤدي الى ادخال مبلغ من المال للخزينة يساعد في مواجهة جزء من المديونية، فضلاً عن ان مجلس الوزراء كان قرر اجراء المزايدة الدولية لبيع الرخصة، وأنشأ المجلس الأعلى للخصخصة لهذا الغرض. ويخشى رئيس الحكومة أن يؤخر ذلك الخصخصة اكثر. وفي رأي الاوساط الضيقة التي تتداول المعطيات في شأن ما يجرى، ان رغبة جهات في الحصول على حصص في مشاريع الخصخصة هي جزء من خلفيات تفاقم الخلافات السياسية، التي تنعكس داخل الحكومة، اذا أضيفت الى رغبة المحيطين بالعهد في تغيير الحكومة، بحجة ضمان تنفيذ تدابير اقتصادية لمعالجة الأزمة الاقتصادية في شكل افضل. وهي رغبة أبداها هؤلاء في اتصالاتهم مع دمشق، وفي اقتراحات خطية. 4 - إن بعض الوزراء المعارضين للحريري سيطرح في الجلسة مسألة قيامه بالزيارات الى الخارج من دون اطلاع الحكومة على اهدافها وعلى نتائجها... كل ذلك، بحسب اوساط وزارية ونيابية، دليل الى ان الخلافات التي كانت ظهرت في شأن بروتوكول استقبال الرؤساء هي رأس جبل الجليد وليست هي القضية.