الدعوات التي أطلقت فور انتهاء "باريس -2"، الى تفعيل الاداء الحكومي والى وجوب التقاط لبنان فرصة الدعم الذي تلقاه لتجنب اي انهيار في اوضاعه الاقتصادية، كان مصدرها الحذر الدائم ازاء مقدرة اهل الحكم على مواصلة سياسة التوافق على الاستمرار في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التي هي الشرط الاساس للافادة من هذه الفرصة، وهو التوافق الذي كانت دفعت في اتجاهه المؤسسات الدولية منذ بداية البحث عن الحلول لأزمة المديونية اللبنانية المتفاقمة مع حكومة الرئىس رفيق الحريري في نهاية العام ألفين. فرئىس البنك الدولي جيمس ولفنسون كان اول من نصح بهذا التوافق الذي ظل مضطرباً، الى حين حصول "غسيل القلوب" بين رئىس الجمهورية اميل لحود والحريري. والرئىس الفرنسي جاك شيراك كان بدوره لعب دوراً بعيداً من الاضواء في دعوة الرئىسين الى التوافق من باب مساعدة لبنان على تأهيل نفسه لتلقي المساعدة الخارجية. كما ان كبار المسؤولين السوريين كانوا يحضون على هذا التوافق في جهود شبه يومية، ويتابعون عن كثب مساعي معالجة الخلافات التي كانت تنشأ بين الرئىسين ويشجعون سعاة التوفيق على المضي فيها، لقلقهم من انعكاسات المشاحنات على الوضع الاقتصادي. ومع ان اوساطاً عدة لم تستبعد عودة الحساسيات بسبب عقد "باريس -2" ودور الحريري فيه، قبل عقده وأثناءه فإن اوساطاً وزارية متتبعة لتفاصيل العلاقة بين الرئيسين اقرت بوجود اسباب لهذه الحساسيات، يتصرف بعض المحيطين بهما انطلاقاً منها، الا ان حرصهما على التأكيد في تصريحات ان "من يراهن على الخلاف سيصاب بالخيبة" ساهم في اخماد امكان عودتها الى البروز. وتشير المصادر الى جملة وقائع في هذا الصدد منها: - حين انزعج الحريري من التحضيرات العلنية لملفات في حق قادة المعارضة الرئىس أمين الجميّل ودوري شمعون... نظراً الى تأثيرها السلبي في المناخ السياسي قبل عقد "باريس -2"، تفهم لحود ذلك وأخذ يسأل عمن قام بتحريك هذه الملفات وسعى الى وقف هذا المنحى، فضلاً عن ان القيادة السورية اعربت على امتعاضها من هذا التحريك. - حين بدأت بوادر خلاف تنشأ بين الحريري ووزير الاتصالات جان لوي قرداحي في شأن ملف خصخصة الهاتف الخلوي، بسبب نزاع الوزير مع الشركتين الحاليتين المستثمرتين لهذا القطاع عن نقل الملكية والمتوجبات السابقة المطلوبة من الشركتين للخزينة تدخل لحود، كون قرداحي من الفريق الوزاري المحسوب عليه، لمطالبته بمعالجة الامر، من دون الخلاف مع رئىس الحكومة. وقالت المصادر الوزارية ان رغبة لحود هذه في التوافق تُرجمت في اجتماع المجلس الاعلى للخصخصة مساء اول من امس ويفترض انتظار جلسة مجلس الوزراء اليوم الذي يبحث الموضوع لرصد مدى صمود التوافق. الا ان ما تهتم له، دول واسعة الاطلاع على الوضع اللبناني مشاركة في "باريس -2"، والاوساط السياسية اللبنانية، وحتى صندوق النقد الدولي، الذي تريث في دعم خطة الحكومة لمعالجة المديونية، هو مراقبة ما اذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة ستُقبل على البند المتعلق بالخصخصة بشفافية تامة وسط قلق من امكان لجوء هذه الطبقة، كما العادة الى تقاسم الحصص في عملية شراء القطاع الخاص جزءاً من القطاع العام حيث يحصل اصحاب النفوذ في الدولة على مكاسب منها. وسبب القلق ان دخول اصحاب النفوذ في نقل الملكية هذا يخفف من المكاسب التي تجنيها الخزينة من جهة وقد يخفف من ارباح القطاع الخاص في شكل يجعل بعضه يتردد في الاقبال على التوظيف في القطاعات التي ستباع كلياً او جزئياً الهاتف - الكهرباء - المياه - اهراءات المرفأ.... كما ترصد سفارات هذه الدول والاوساط اللبنانية مدى انعكاس التوافق على مناقشة موازنة العام 2003 واقرارها التي هي من شروط المساهمين في التسهيلات المالية في "باريس -2"، ومن شروط صندوق النقد لتطوير موقفه ازاء خطة الحكومة. فالأعباء الاجتماعية التي يرتبها التقشف من جهة، وفرض رسوم جديدة من جهة ثانية في بنود الموازنة تلقى اعتراضاً من قوى عدة لحرصها على موقعها ضمن الشرائح الفقيرة من المجتمع. وقد تؤدي مطالبها الى اعادة رفع العجز 25 في المئة الذي يشكل حجر الزاوية في الموازنة، التي يتطلع الصندوق الى اقرارها. والحفاظ على هذا الرقم يشكل امتحاناً للحود والحريري ومعهما رئىس المجلس النيابي نبيه بري.