دمشق، بيروت، رام الله، القاهرة - "الحياة" - خرج الرئيس السوري بشار الأسد من محادثاته مع وزير الخارجية الاميركي كولن باول بمواقف متشددة دافع فيها عن "العمليات الاستشهادية"، وحذر من وصول الوضع في الشرق الأوسط الى "نقطة اللاعودة". كما رفض دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي لعقد مؤتمر جديد للسلام، قائلاً ان مجرد الحديث عن مثل هذا المؤتمر لا يمكن ان يكون إلا بعد الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية ووقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني. وطالب الرئيس الأسد واشنطن ب"ان تكون لها رؤية واضحة للسلام وان تعمل بما يمليه عليه دورها في هذا الشأن وان تلتزم عملياً القرارات التي وافق عليها المجتمع الدولي. وساهمت زيارة باول لبيروتودمشق، امس، في ترسيخ التوتر الاقليمي بدل ان تخففه، خصوصاً ان فكرة "مؤتمر السلام" التي طرحها ارييل شارون بدت بوضوح كمحاولة لحرف الأنظار عن المطالبة الدولية بانسحاب فوري لقوات الاحتلال من المناطق الفلسطينية. وقد انشغلت الدوائر الديبلوماسية العربية والاوروبية امس بجدل على هذا المؤتمر الذي تبدو الولاياتالمتحدة مؤيدة له، ولم تعارض صيغته التي عرضها شارون. وأعلن الاخير ليلاً ان قواته "قد تنسحب من الضفة الغربية خلال اسبوع" مشيرا الى ان الانسحاب سيستغرق وقتاً اطول في رام الله وبيت لحم اذا لم يتم تسليم "الارهابيين" المتحصنين فيهما. وبدا الهدف الاسرائيلي من طرح مثل هذا المؤتمر كأنه في صدد ان يتحقق، بدليل ان اجتماع اريحا بين مسؤولين اميركيين وفلسطينيين لم يتطرق الى "الانسحاب الفوري". في حين ان فكرة المؤتمر نفسها اظهرت مواقف عربية متشرذمة، اذ أعلنت القاهرة "موافقة متحفظة" على المؤتمر، واشترط الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ان يترافق المؤتمر مع انسحاب فوري للاسرائيليين من الضفة الغربية، وان يكون برعاية الولاياتالمتحدة. أما سورية ولبنان فقد رفضتا هذا المؤتمر، علماً بأن شارون لم يضمن اقتراحه دعوة السوريين واللبنانيين، كما استثنى الاتحاد الأوروبي وروسيا. وفي حين اعلن رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان ان مؤتمراً من دون عرفات والاتحاد الأوروبي "لن يكون له معنى"، فإن وزير خارجيته هوبير فيدرين اعتبره محاولة اسرائيلية "لكسب الوقت". وأبدى شارون ووزير خارجيته شمعون بيريز موقفين متناقضين من "حضور" عرفات هذا المؤتمر فجعلاه موضوع "خلاف" جديد بينهما. اذ لا يعارض بيريز حضور الرئيس الفلسطيني. لكن باول تدخل لحسم هذا الخلاف، فور عودته من دمشق، اذ قال ان حضور عرفات الذي اقترحته اسرائيل "ليس مطلوباً"، وأن "لديه القدرة على انتداب اشخاص لتمثيله، والمؤتمر لا يتطلب حضوره الشخصي ليبدأ أعماله"، ملحماً الى ان المؤتمر يمكن ان ينعقد على المستوى الوزاري فقط. وأضاف باول ان تنظيم مؤتمر اقليمي "هو احدى السبل لمعالجة الأزمة"، مشيراً الى ان عرفات وشارون "أعطيا بعض الدعم" لفكرة المؤتمر. وجاءت اشارة باول الى عرفات في وقت كشفت الصحف العبرية ان المسؤولين الامنيين الاسرائيليين اكدوا وجوب "طرد" الرئيس الفلسطيني لأنه "لن يحارب الارهاب". وقالت ان اجراء كهذا يتطلب تفاهماً مع الولاياتالمتحدة وأطراف عربية. واستقبلت دمشقوبيروت الوزير باول امس بتظاهرات هتفت ضده وضد سياسة بلاده إزاء الوضع في فلسطين وودعتاه برفض اقتراح شارون عقد مؤتمر دولي للسلام، حين حاول استطلاع رأي قيادتي البلدين في شأنه. واستند الرفض لفكرة المؤتمر الى انه ينسف مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت، كما اكد الرئيس اللبناني اميل لحود للوزير الاميركي، ولأنه يغيّب لبنان وسورية عنه. وتركت المواقف المعلنة من البلدين انطباعاً بأن باول غادرهما في ظل استمرار الخلاف في وجهات النظر، اذ شدد لبنان وسورية على اولوية الانسحاب الاسرائىلي من الاراضي الفلسطينية التي احتلها الجيش الاسرائيلي. ووافق باول المسؤولين اللبنانيين على وجوب العمل من اجل حل سياسي وعدم الاكتفاء بالحل الأمني. ودعا لحود اميركا الى عدم التأثر بالضغوط الاسرائىلية "التي تصور عمليات المقاومة اللبنانية في مزارع شبعا، على انها اعمال ارهابية". وأكدت مصادر لبنانية رسمية ل"الحياة" ان باول لم ينقل اي تهديد او تحذير الى لبنان في شأن العمليات في مزارع شبعا، مكتفياً بالقول ان بلاده تجري اتصالات مع سورية وايران واسرائىل لضبط الوضع. الى ذلك، اكد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر ان القاهرة لم تتلق رسمياً أي اقتراح بعقد مؤتمر دولي للسلام. وشدد على ان "أي تحرك ينبغي ان يبنى على التحرك السابق"، مشيراً الى مؤتمر مدريد الذي "أرسى مبادئ مهمة جداً يجب الحفاظ عليها". واعرب عن ترحيب مصر بكل الجهود على اساس الانطلاق من النقطة التي انتهت اليها الجهود السابقة. وكان اجرى اتصالاً بأنان، وبحثا في اقتراح الأخير ارسال قوة متعددة الجنسية للأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وعقد اجتماع امس في اريحا بين مسؤولين فلسطينيين واميركيين لمواصلة المحادثات التي اطلقت الاحد خلال اللقاء بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وباول. وقال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ان الاجتماع كان لتبادل الأفكار، وان "المسألة لا تتعلق فقط بالانسحاب الفوري من الأراضي التي اعيد احتلالها، فنحن بحاجة الى طريقة عمل تربط المسائل المتعلقة بإنهاء الأزمة الآن بمسار سياسي واقعي يقود الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي وانسحاب اسرائيل الى حدود 4 حزيران 1967 بما فيها القدس واقامة الدولة الفلسطينية". ويعرض الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان على مجلس الأمن اليوم أو غداً فكرة ارسال قوة متعددة الجنسية "لضمان وقف النار" بين اسرائيل والفلسطينيين و"لتأمين بيئة تمكن من اجراء المفاوضات وتمكن السلطة الفلسطينية من اعادة بناء قدرتها على الحكم". جاء ذلك على لسان الناطق باسم الأمين العام والذي أوضح ان القوة المتعددة الجنسية التي يفكر في ارسالها انان ليست تابعة للامم المتحدة و"اكثر من قوة مراقبة" يجب ان تكون "بالقدر الكافي من القوة" وتتطلب ان تقودها دولة، ويصاق عليها مجلس الأمن. واشار الى ان هذه القوة تتطلب ايضاً تعاون الطرفين المعنيين.