في العقد الأخير من القرن الفائت، اتجهت الكثير من الفتيات والشابات في مصر نحو "الحجاب". وعلى رغم أن كلمة "حجاب" تبدو في الوهلة الأولى مفهومة ومحددة وواضحة المعالم، إلا أنها بقليل من الملاحظة والتحليل تحتمل معانيَ وإسقاطات ونظريات وأيضاً موضات وصرعات عدة. وإذا كان الموضوع الآتي لن يتناول نظرياتٍ أو تقسيماً لميل الفتيات والسيدات المصريات إلى "الحجاب"، إلا أننا نشير إلى أن "الحجاب"، كما نقصده في تناولنا هنا، يبدأ من النقاب الأسود الذي يخفي كل معالم صاحبته حتى عينيها مروراً بالخمار، ومنه إلى العباءات الفضفاضة مع الإشارب، وانتهاء بالبنطلون السترتش أو التنورة الضيقة ذات الفتحات المتعددة مع الإشارب وخصلة الشعر المتدلية على الجبين. والمتأمل في أحوال المرأة المصرية يمكنه بسهولة أن يلحظ وجود ميل عام إلى إهمال المظهر من قوام وملبس كلما تقدم بها العمر، وبعضهن يعمد إلى ذلك بعد السنوات الأولى من الزواج، سواء كانت ترتدي الحجاب أو لا ترتديه. أما الشابات، فنسبة كبيرة منهن، حتى أولئك اللاتي يرتدين الخمار، فيعكس اختيار الألوان والملابس اهتماماً واضحاً بمظهرهن. وتلبية لحاجات هذه النسبة الغالبة من المحجبات، توجه قطاع كبير من المصانع والمحلات إلى طرح ملابس وادوات زينة لهن، لا سيما للشابات، وبدأت تسود بين الشابات المحجبات، موضات وصرعات أنيقة، وألوان تواكب مبتكرات أرقى بيوت الأزياء العالمية. وإذا كان المظهر الخارجي من ملابس وأحذية وماكياج وأدوات زينة يعكس قدراً غير قليل من التركيبة النفسية والاجتماعية لصاحبته، فقد وقع اختيار "الحياة" على شابة مصرية ترتدي الحجاب منذ سنوات طويلة، وعلى رغم ذلك يضرب بها المثل في الأناقة، وحُسن اختيار الألوان والأزياء التي ترتديها، إضافة إلى ذلك هي زبونة دائمة لدى أحد أشهر صالونات التجميل في ضاحية مصر الجديدة الراقية في القاهرة. ونبدأ مع قرارها ارتداء الحجاب، والذي جاء مفاجأة لكل من يعرفها من أقارب وأصدقاء وصديقات فهي ابنة سفير في الخارجية المصرية، جالت مع اسرتها شتى أنحاء المعمورة. وتعرفت عن قرب على ثقافات وحضارات شرقية وغربية، مسيحية وإسلامية وبوذية وأحياناً وثنية وأتقنت لغات عدة إضافة إلى العربية والإنكليزية، بل إنها تخصصت في دراسة علم النفس في المرحلة الجامعية فصارت أشبه ببوتقة تختلط فيها التناقضات والمرادفات على حد سواء. وعلى رغم ذلك لم يستغرقها اتخاذ قرار ارتداء الحجاب سوى ساعات محدودة، هي الفترة الزمنية بين رؤيتها الرسول ص في منامها، وشراء عدد من الإشاربات تغطي بها شعرها الأشقر. تقول ياسمين يسري 30 عاماً: "عرفت أن الله سبحانه وتعالى أرسل لي رسالة". وهي تدرجت في الحجاب من ارتداء ملابسها المعتادة ذات الأكمام الطويلة مع إشارب ذي ألوان متناسقة، وذلك في العام 1992 إلى الميل إلى التوسيع والإطالة التدريجيين في كل ما تشتريه من ملابس جديدة حتى بات لا يظهر من جسمها سوى وجهها، وذلك بعدما أدت فريضة الحج في العام الماضي. تقول ضاحكة: "حاولت الاستفادة بقدر الإمكان من ملابسي العادية، حتى "البانتاكور" البنطلونات القصيرة أضفت له قطع قماش إضافية، فتحولت إلى موديلات جديدة كانت محل استحسان صديقاتي لا سيما أن الواحد منها يزيد ثمنه على 250 جنيهاً مصرياً". وتكلف عملية شراء الملابس وأدوات الزينة يسري الكثير من الوقت، والمال في آن، تقول: "على رغم أنني اشتري جزءاً من ملابسي من المحلات العامة الموجودة في القاهرة، إلا أنني اتفنن في اختيار الألوان والمزج بينها، وأحياناً إضافة تعديلات على الزي وهذا شيء أتمتع به، لأن النتيجة تكون مرضية تماماً. والدليل أنني دائماً أواجه بسؤال: من أين اشتريت هذا الطقم أو ذاك؟ على رغم أنه في احيان كثيرة يكون من محلات معروفة للجميع". زوج ياسمين يسري هو الآخر يسهم في إرضاء ميولها نحو الأناقة والتميز في المظهر الخارجي المحتشم والأنيق في آن، فهو في سفراته المتعددة إلى دول أوروبا يجتهد في شراء كل ما هو جديد في عالم الأزياء النسائية، على أن يكون مناسباً لمتطلبات الحجاب من طول واتساع وحشمة إضافة إلى الأحذية والصنادل ونظارات الشمس والأشاربات والاكسسوارات الأخرى. وبذلك تنفي يسري تماماً تهمة الإهمال في المظهر والتغاضي عن التراكم التدريجي في كتل الشحوم والدهون، والتي عادة توجه إلى الكثر من النساء المتزوجات والمحجبات. حتى إنها حين لاحظت محاولة تسلل بعض الدهون إلى جسمها بعد وضعها طفلين، واظبت في التردد على طبيب اختصاصه الحمية والتخسيس، إضافة إلى عدم تخليها عن برنامجها الرياضي اليومي الذي يبدأ بالمشي ثم الهرولة لمدة ساعة. ورياضة المشي ليست وحدها التي تدفع يسري إلى النادي، لكنها تجتمع هناك في شكل دائم مع مجموعة من صديقاتها، تقول: "حياتي لم تتأثر بعد ارتدائي الحجاب، فصديقاتي على رغم أن غالبيتهن غير محجبات، فرحن كثيراً بتلك الخطوة وأنا على ثقة أن كلاً منهن تتمنى أن تسير على النهج نفسه". وتضيف: "التغيرات التي طرأت على حياتي بعد الحجاب إيجابية جداً، فمثلاً توقفت تماماً عن المشاركة في جلسات النميمة، كما أن نظرات الباعة في المحال والرجال في الشارع لم تعد تشوبها تلك النظرة الخبيثة التي توجه عادة إلى غير المحجبات، بل إنهم ينادونني "يا حاجة" وهو لقب محبب إلى نفسي". وماذا عن زوجك؟ فهناك من الأزواج من يشجع زوجته على ارتداء الحجاب، ومنهم من ينصرف عنها لو فكرت فيه؟ تقول يسري: "زوجي يشجعني دائماً، وهناك من يقول إن أزواج المحجبات تزوغ عيونهم على أخريات في الشارع، لكني مقتنعة بأن الثقة في النفس تحول دون حدوث ذلك، ثم إن الله جميل يحب الجمال، وأنا عن نفسي إذا رأيت فتاة جميلة أنظر إليها". وتعترف يسري بأن قرار ارتداء الحجاب، يكون أصعب للفتاة إذا كانت على قدر كبير من الاحترام، إلا أنها على اقتناع أن الحجاب يضفي جمالاً من نوع خاص على صاحبته ينبع من داخلها وينعكس على وجهها".