الناصرة - "الحياة" - تؤكد تصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون وسائر أقطاب حكومته في مسألة انهاء العدوان العسكري الحالي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ان انسحاب قوات الاحتلال، حين يتقرر ذلك، لن يكون الى المواقع التي انطلقت منها في 29 آذار مارس الماضي انما ستعيد انتشارها داخل المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة أمنية فلسطينية تمهيداً لإقامة "مناطق عازلة"، يقال ان عرضها سيتمد خمسة كيلومترات، بين البلدات الفلسطينية والاسرائيلية. وامس اجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية للبحث في اقامة هذه المناطق بعد ان طلب وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر من قادة الاجهزة العسكرية اعداد تفاصيل الخطة. وكان رئيس أركان الجيش الجنرال شاؤول موفاز أعلن الاسبوع الماضي ان اعادة انتشار من جديد ستلي العملية العسكرية الحالية "على نحو يحول دون تسلل انتحاريين الى مدن اسرائيلية". وأمس أفادت صحيفة "هآرتس" ان شارون أبلغ وزير الخارجية الاميركي كولن باول ان الهدف النهائي من العملية الحالية "انتشار الجيش في مناطق أمنية في غور الأردن وغرب الضفة الغربية". وزادت ان شارون يريد من الهجوم الحالي تنفيذ خطته القاضية بحسم عسكري "يقنع الفلسطينيين والمجتمع الدولي بإبقاء مناطق أمنية تحت السيطرة الاسرائيلية، بما يتلاءم مع التسوية المرحلية طويلة الأمد التي تحدث عنها دائماً". وتابعت ان شارون عرض أمام باول الخريطة التفصيلية التي تضمنت حزامين أمنيين. ويحظى مخطط شارون بدعم وزراء اليمين شريطة ان تكون المناطق العازلة في عمق الأراضي الفلسطينية وليس بمحاذاة "الخط الأخضر" كيلا يتم تفسير ذلك بقبول اسرائيل لهذا الخط حدوداً بينها وبين كيان فلسطيني عتيد. كما يؤيدها عدد من أقطاب "العمل" اذا ما تجاوبت مع طلبهم الفصل الأحادي الجانب بين اسرائيل والأراضي الفلسطينية "لأن عدم انفصال اسرائيل عن الفلسطينيين سيحولها الى دولة أبارتايد أو أنها قد تجد نفسها تعاني وضعاً مماثلاً للوضع الحاصل في بلفاست وفي البوسنة" كما جاء في مقال لرئيس الحكومة السابق ايهود باراك نشره في "نيويورك تايمز" أمس. وأكد شارون من جديد أنه لا يقيم أي اعتبار للضغوط الدولية، وبضمنها الأميركية الخجولة، لوقف العدوان الحالي على الشعب الفلسطيني، وكرر مواقفه المتعنتة المطالبة الطرف الفلسطيني الامتثال لاملاءاته قبل أن يمارس المزيد من البطش العسكري وإصراره على استثناء الرئيس الفلسطيني من أي مفاوضات سياسية في المستقبل. وأبلغ شارون أعضاء حكومته أمس، أنه اقترح على وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في اجتماعهما الأول الجمعة الماضي، عقد مؤتمر اقليمي بمشاركة دول عربية ومسؤولين فلسطينيين "ولكن من دون مشاركة الرئيس عرفات". وأضاف انه أعلم باول أيضاً أن إسرائيل لن تتنازل عن مطالبتها السلطة الفلسطينية بتسليهما قتلة الوزير رحبعام زئيفي ومرسليهم والمسؤول المالي فؤاد الشوبكي لتتم محاكمتهم في إسرائيل، مضيفاً انه عاقد العزم على اخراجهم من مقر الرئاسة الفلسطينية حيث يوجدون مع الرئيس الفلسطيني، حسب الادعاء الإسرائيلي، ملمحاً إلى أن ذلك سيتم بعملية عسكرية في الأيام القليلة المقبلة. ورد وزير الخارجية شمعون بيريز على شارون بمطالبته بعقد اجتماع خاص للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية لاتخاذ قرار في هذا الصدد، محذراً من انعكاسات عملية كهذه على العلاقات الإسرائيلية - الأوروبية، لكن شارون أصر على موقفه "حتى إن كلفني الأمر أزمة ائتلافية انتخابات برلمانية مبكرة". وساند شارون في تشدده غالبية وزراء حزبه ليكود وممثلو الكتل اليمينية. من ناحيته، نفى وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر أن يكون عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في مخيم جنين بلغ مئتين، حسبما أفاد الناطق بلسان الجيش، وقال إن "هناك عشرات القتلى غالبيتهم حملوا السلاح وأطلقوا النار على قواتنا". وزعم ان قواته لم تقم بدفن أية جثة، وان "عائلات القتلى والصليب الأحمر رفضوا دفن الجثث". إلى ذلك، تباهى قائد أركان الجيش الجنرال شاؤول موفاز ب"النتائج" التي سجلتها عملية "الجدار الواقي"، وأبلغ الوزراء أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ بدء العملية 5 آلاف فلسطيني اطلقت لاحقاً سراح 3800 منهم "فيما أيادي الذين أبقينا على اعتقالهم ملطخة بالدماء ومنهم 50 من المطلوبين"، مضيفاً ان ثمة مستندات بحوزة الجيش "تثبت محاولة السلطة الفلسطينية زج عرب الداخل في عمليات إرهابية ضد إسرائيل". وحيال التكتم الرسمي على ما دار في لقاء شارون - باول الجمعة، قالت مصادر صحافية إن شارون رفض اقتراحاً أميركياً بايفاد قوة مراقبين دوليين إلى المنطقة، وأبلغ شارون ضيفه موافقته على ارسال عدد محدود من رجال وكالة الاستخبارات الأميركية وتحديد مهماتهم قبل وصولهم. وقالت صحيفة "هآرتس" ان باول تحدث إلى شارون عن ضرورة القيام بخطوات سياسية في موازاة الخطوات العسكرية والبحث عن سبل لاستئناف العملية السياسية ووضع جدول زمني وطبيعة المفاوضات. لكن مصادر إسرائيلية أبلغت صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان باول لم يترك أي انطباع بأنه يحمل أفكاراً أو خطة واضحة تؤدي إلى خفض العنف. وقالت اذاعة الجيش إن باول اطلع شارون على الأخطار الكامنة في مواصلة الهجوم العسكري على مكانة الولاياتالمتحدة في العالم العربي، لكن شارون رد بأن انسحاب قوات الجيش من المدن الفلسطينية "لن يتم قبل أن تنهي مهماتها". وكتب المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" حيمي شليف متوقعاً فشل باول في مهمته "لمحاولته بيع طرفي النزاع بضاعة لا يرغبان فيها". وأضاف ان شارون غير قادر على اخفاء رغبته في فشل باول "املاً أن يمنحه هذا الفشل ترخيصاً أميركياً بطرد الرئيس عرفات من المنطقة". وأشار إلى أن باول افتقد إلى الدعم المطلوب من البيت الأبيض ليمارس سطوته، وقال إن "ما يريده شارون حقاً هو فشل مجلجل لأن أي اتفاق بين باول وعرفات، حتى اعلان عديم القيمة بوقف النار، سيدفع باول إلى العودة إلى القدس لاستئناف ضغوطه، ما يعني انعاش مكانة عرفات كشريك محتمل للمفاوضات، وحينها ستكون هذه المرحلة الثانية التي يرى فيها شارون الرئيس الفلسطيني عبر فوهة البندقية ويضطر إلى اصدار أوامره بعدم اطلاق النار". وعلى رغم حديث الإسرائيليين عن تراخي الضغط الأميركي على شارون، نقلت مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في واشنطن ان الرئيس الأميركي يغلي غضباً، وانه قال في أكثر من مناسبة إنه يشعر وكأن شارون بصق في وجهه بتجاهله نداءاته بسحب قواته من الأراضي الفلسطينية. وزادت ان تقريراً لمجلس الأمن القومي الأميركي أفاد بأن رد شارون على "الإرهاب الفلسطيني" فاقم النار أكثر وان عمليات التصفية والتوغل في مناطق السلطة رفعت عدد القتلى في الطرفين. وتابعت ان بوش يشعر بأنه تلقى "ضربة تحت الحزام"، وان شارون جعل منه "نمراً من ورق". وتوقعت أن يقدم الرئيس الأميركي على سلسلة اجراءات عقابية، وقالت: "سيلجأ بوش إلى القوة. والقوة السياسية معناها عقوبات ومقاطعة وارغام"، وان العقوبات قد تشمل تعليق الدعم المالي "إلى حين تقرر إسرائيل تنفيذ ما يتوقع منها". وأنهت بأن شارون الذي كان حتى الأمس القريب ضمن قائمة "اعزاء واشنطن" أضحى أخيراً عقبة "وينوي بوش أن يظهر للعالم ان الولاياتالمتحدة لا تعرف كيف تزأر فحسب، إنما أيضاً كيف تنشب بمخالبها".