أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون وزراء حكومته أمس أن إسرائيل لا تعتزم البقاء في المدن الفلسطينية الخاضعة للسلطة التي اجتاحتها قوات الاحتلال في الأيام الأخيرة إلى الأبد وستخليها بعد أن تحقق الهدف المرجو من الاجتياح، خصوصاً اعتقال من اسماهم رؤساء المنظمات الإرهابية. وتابع ان حكومته تسعى لتطبيق "توصيات ميتشل" شرط أن تقبل السلطة الفلسطينية بإملاءاتها، وهي: وقف الإرهاب والتحريض على العنف، وتسليم قتلة الوزير رحبعام زئيفي ومرسليهم وتجريد المنظمات الإرهابية من السلاح". ودافع شارون عن التصعيد العسكري القمعي الذي تقوم به قوات الاحتلال بالقول، إنه يتماشى وقرارات المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية التي اتخذت بالاجماع غداة مقتل زئيفي. وجاء دفاعه هذا رداً على غضب وزير خارجيته شمعون بيريز على التصعيد وادعائه ان تفاصيل الاجتياح لم تقر في المجلس. وانضم وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر إلى شارون في مزاعمه واستخف باحتجاجات بيريز على الاجتياح. وقرأ شارون على مسامع وزرائه النص الحرفي لقرارات المجلس الوزاري المذكورة. لكن وزراء من حزب "العمل" لم يخفوا مخاوفهم من تبعات التصعيد، ومن أن يخدع شارون الوزراء على غرار ما فعل اثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 حين ادعى أنه اطلع رئيس حكومته آنذاك مناحيم بيغن على تفاصيل الاجتياح الذي أصبح يعرف لاحقاً ب"الوحل اللبناني". وحذرت الوزيرة العمالية داليه ايتسك من أن يقود التوغل الحالي للمناطق الفلسطينية إلى "وحل سياسي وأمني" لن يكون سهلاً على إسرائيل الخروج منه. وتساءلت: "هل يدرك رئيس الحكومة خطواته التالية بعد التوغل، وهل يملك مشروعاً سياسياً حقيقياً؟". لكن رئيس الحكومة لم يول أي اهتمام بأقوال وزيرته، وكرر هجومه على السلطة الفلسطينية ورئيسها، ووجه انتقاداً لاذعاً لوزير خارجيته الذي غاب عن الجلسة لسفره إلى الولاياتالمتحدة، معتبراً اللقاءات التي أجراها مع الرئيس ياسر عرفات سبباً في تصعيد "العمليات الإرهابية" ضد إسرائيل. وأكد رئيس أركان الجيش الجنرال شاؤول موفاز للوزراء أهمية السعي إلى "انتزاع الصبغة الشرعية عن الرئيس الفلسطيني". وانضم وزراء "ليكود" إلى زملائهم من اليمين المتطرف في الهجوم على الرئيس الفلسطيني وعلى بيريز معاً. ودعت الوزيرة ليمور لفنات بيريز إلى الاستقالة "إذا ما شعر بأنه غير قادر على التسليم بزعامة شارون وتنفيذ قرارات المجلس الوزاري". ودعا زميلها سيلفان شالوم مجدداً إلى طرد الرئيس الفلسطيني من المنطقة وتقويض السلطة الفلسطينية، وزاد أنه إذا رأى أن "الشراكة مع حزب العمل ستبقى حجر رحى على رقابنا فالأفضل حلها". ورد وزراء وأركان "العمل" على الهجوم المنفلت على بيريز بالتهديد بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، مضيفين انهم لن يقبلوا بأن يكونوا شركاء في حكومة قررت إعادة احتلال المناطق الفلسطينية. وتعقد كتلة العمل البرلمانية اجتماعاً اليوم للبحث في مسألة مواصلة الشراكة في التوليفة الحكومية، لكن معلقين إسرائيليين استبعدوا أن تتخذ قراراً حاسماً. إلى ذلك، يبدأ بيريز اليوم لقاءاته السياسية مع مسؤولي الإدارة الأميركية للبحث في التصعيد الحاصل في المواجهات. وعشية مغادرته إلى الولاياتالمتحدة التقى بيريز مطولاً رئيس حكومته في محاولة لبلورة رسالة إعلامية موحدة، لكن مصادر صحافية أفادت ان قطبي الحكومة افترقا من دون أي اتفاق. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس عن بيريز قوله إن شارون سيجعل من مناطق السلطة الفلسطينية "لبنان ثانية"، وان من شأن سياسته أن تقود إلى ضياع إسرائيل. إلى ذلك، تباينت تقديرات المعلقين في الشؤون الأمنية حول المدة التي يستغرقها الاحتلال الإسرائيلي للمدن الفلسطينية. وقال مصدر عسكري إسرائيلي، لم يكشف عن هويته، إن الجيش الإسرائيلي مستعد للبقاء في المدن التي احتلها فترة طويلة، غير أن بإمكانه أيضاً الانسحاب منها في غضون ساعات تنفيذاً لأي قرار قد تتخذه الحكومة. وأضاف المصدر ان الرئيس الفلسطيني لا يعتقل الناشطين البارزين في الجبهة الشعبية بمن فيهم قتلة الوزير زئيفي، إنما يوعز لاعتقال ناشطين سابقين في الجبهة. وتحدث المعلق العسكري "يديعوت أحرونوت" عن مطالبت الولاياتالمتحدة إلى شارون بوقف التوغل في المناطق الفلسطينية مقابل مرونة أميركية في الخطة السياسية التي يفترض الإعلان عنها الشهر المقبل حول التسوية في المنطقة. وزاد ان إسرائيل تفهم من هذه الرسالة أن بالإمكان الضغط على واشنطن لتمارس ضغوطاً على الرئيس الفلسطيني ليحارب الإرهاب. ورأى المعلق في "هآرتس" تسفي بارئيل أن الربح الإسرائيلي من العملية العسكرية في المناطق قد يتمثل بتراجع أميركي عن إعلان برنامجها السياسي "وربما ارجاء هذا الإعلان". ولفت زميله الوف بن إلى الصمت الدولي على الاجتياح العسكري للمناطق، وانه باستثناء محادثة هاتفية تلقاها شارون من نظيره البريطاني توني بلير، لم يقم وزير الخارجية الأميركي كولن باول باجراء أي اتصال ليطالب إسرائيل بالانسحاب، على غرار ما كان يفعل في مرات سابقة مشابهة. كما لفتت الصحف إلى حقيقة أن التعقيب الأميركي على التوغل الإسرائيلي لم يتضمن دعوة إسرائيل إلى الانسحاب.