خلال الايام الماضية توارى الجدل حول العمليات الاستشهادية، وعاد الموقف التقليدي من العمليات الفدائية. ونشرت مقالات وتصريحات واذيعت اناشيد واغنيات تمجدها وتفخر بها وتعتبرها الخيار المتاح. واعتبر الامام الاكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر ان العمليات الاستشهادية في الاراضي المحتلة "اعلى درجات الشهادة في سبيل الله"، والشاعر غازي القصيبي هجا في قصيدته المنشورة في "الحياة" امس الفتاوى التي تحرم العمليات الاستشهادية. وقال "قل لمن دبجوا الفتاوى: رويداً. رب فتوى تضج منها السماء". بعد احداث 11 ايلول سبتمبر كسبت اميركا اصواتاً عربية واسلامية ترفض العمليات الاستشهادية في الاراضي المحتلة، وتعتبرها عملاً ارهابياً لايختلف عن تفجيرات واشنطن و نيويورك. وصدر اكثر من فتوى تحرم العمليات الاستشهادية وتساويها بالارهاب. وبدأت الحملة تأخذ منعطفاً في اتجاه ادخال ركن الجهاد في تفصيلات هدفها تعطيله، او اعتبار بعض اشكاله ارهاباً. واصبح الحديث عن الجهاد يأخذ حساسية مفرطة. وفي ذروة هذا الجدل اجتاح شارون المدن الفلسطينية، وضرب الحصار على الشعب الفلسطيني. لكنه افرج عن فكر الجهاد والعمليات الاستشهادية، واوقف المد الرافض للمقاومة، وفرض واقعاً جديداً يتعارض مع الحملة الاميركية. ان عنف شارون يجذر العمل الفدائي والاستشهاد. وهو، على رغم فداحته، يخدم القضية الفلسطينية على المدى الطويل، ويحافظ على التمسك بخيار المقاومة، ويضعف التهافت على السلام. وعلى الجانب الاخر لايظهر ان الحكومة الاميركية ترى في تصرفه تهديداً لموقفها من قضية "الارهاب". وربما اعتقد الاميركيون بان حملة شارون تشكل دعماً لحملتهم على ما يسمى بالارهاب. لكن الفشل الذي ستواجهه الحكومة الاميركية في تغيير بعض المفاهيم في المرحلة المقبلة، وكسب الحلفاء والاصدقاء، فضلاً عن تهديد مصالحها وافرادها، سيجعلها تكتشف ان اجتياح شارون كان اخطر على المصالح الاميركية من تفجيرات واشنطنونيويورك، وسيولد ارهاباً اشد من ارهاب "القاعدة"، وسيفيق المواطن الاميركي على فداحة ثمن تبرير المجازر التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي بحق الفلسطينيين.