نشبت معركة تصريحات بين الشيخ يوسف القرضاوي وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، بعدما رد الثاني على سؤال عن موقفه من عمليات القدس وحيفا، ودان ورفض باسم الشريعة "العدوان على الأبرياء من المدنيين، سواءً كان العدوان من أي جهة من الجهات أو طائفة من الطوائف أو دولة من الدول". التصريح أثار القرضاوي الذي تساءل "كيف يحرّم شيخ الأزهر قتل هؤلاء المعتدين؟ وكيف يعتبرهم مدنيين وأبرياء عزل". إجابة شيخ الأزهر كانت عامة، ولو قيلت في غير هذه المناسبة لما فُهِم أنها تحرم قتل المعتدين اليهود، وفصلها عن مناسبتها يلغي ارتباطها بما يجري في فلسطينالمحتلة. فالإجابة فيها تعميم إلى درجة أنها تصلح لإدانة الغارات الأميركية على أفغانستان، وربما تُحسب على دعم الجهود الأميركية في محاربة الإرهاب. فالشيخ طنطاوي أجاب بصفته السياسية وليس موقعه الشرعي، واستخدم مفردات سياسية مثل ندين ونرفض، وتجنب تحديد المقصود بالمدنيين، وقال أشياء كثيرة، لكنه لم يعطِ شيئاً محدداً. لا شك في أن العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون ضد المستوطنين اليهود لا تزال موضع شك وجدل بين بعض علماء المسلمين، فضلاً عن أن تحريم استهداف المدنيين في إسرائيل جاء على لسان علماء لهم مناصب رسمية في البلاد العربية، والفتاوى المضادة صدرت عن آخرين ليست لهم صفة رسمية. وهذا الاختلاف في المواقع والآراء ساهم في تعقيد القضية وأعطى الانطباع بأن "التراشق" بالفتاوى جزء من الخلاف على مشروعية السلام مع إسرائيل، بالإضافة إلى أن تحريم العمليات الفدائية داخل إسرائيل ليست له سابقة تاريخية. وتزامن بعض هذه الفتاوى الرافضة للعمليات داخل الأراضي المحتلة مع الحملة الأميركية على أفغانستان، أضعف صدقيتها ولو كانت توافق مقاصد الشريعة الإسلامية. إن وضع الفتوى في خدمة السياسة قضية خطيرة، واستثمار الفتوى لإرضاء الشارع لا يقل خطورة، لكن تحريم العمليات الفدائية داخل إسرائيل يصعب قبوله بتصريحات عامة واجتهادات فردية، ومن دون إجماع علماء المسلمين، فضلاً عن أن تحريم الاعتداء على المدنيين في إسرائيل يفترض أن اليهود فيها يعيشون على أرضهم وينفي عنهم صفة المغتصب.