كان يجب ان يتثاءب الحاضرون قليلاً قبل أن توقظهم نساء فوزية النافع... كان يجب أن يتوهوا في صحراء الانتظار والحرّ قبل أن تُلاقيهم واحات أزيائها. وكان يجب ان تغرق تلك السيدات في القبل والمجاملات والتأملات... في أزياء بعضهن بعضاً، قبل ان يشغلهنَّ "إحساس امرأة"، فوق منصة العرض. أي الفساتين يمكن ان يوقظ فينا "احساس امرأة"؟ وكيف تستطيع المصممة ان تنثره في أزيائها كما لو كان رشة عطرٍ أو قبضة من قبلات الورد؟ على أرض البوديوم تناثرت أزهار سوريالية بألوان الباستيل الرقيقة المرهفة: أصفر، أزرق، زهري، أخضر. أما في سماء العرض فتطايرت نوطات موسيقى صاخبة كأنها تتعمّد ان تذهب بعكس تيار الفساتين، لتُبرزها أكثر أو لتترك لها الكلمة الأخيرة. واذا كانت الموسيقى بعيدة من الأزياء المتمايلة على وقعها، فموسيقى الخطوط والألوان في الفساتين المعروضة، تناغمت بحرارة مع أكثر من إحساس لأكثر من امرأة عَبَرن ساحرات في خيال المصممة السعودية فوزية النافع أولاً، وبالتالي أمام شاشات الاعجاب والعيون. كان الرجال الذين يرافقون زوجاتهم بمن فيهم بعض رجال السلك القنصلي أوشكوا على غفوة صغيرة من شدة الانتظار حين استدارت الرؤوس كلها الشقراء والحمراء خصوصاً صوب التعبير الأول عن "إحساس امرأة"، الذي أطلّ زهرياً حريرياً في جاكيت فوق بنطلون من الدانتيل الفائق الجاذبية. وفي لمحات متلاحقة توالت التمايلات الرومانسية الرقيقة فوق منصة العرض، ناطقة بأحلى لغات الموسلين الشفاف، والدانتيل المرهف، و"الكريب" الرزين الجميل بتميّزه الفارق عن أي قماش آخر. وهبَّت الصحراء ساحرةً فاتنة في أكثر من فستان، فازهرت وروداً حلوة في مساحات الفستان الرملي، وتلحّفت بعباءة من غسَقٍ هادئ وتدثرت مرات بوشاح من التول أو الحرير عند المساء. ثم استفاقت مع فجر مضاء ببريق الحلي والمجوهرات. وهنا تقول فوزية أنها استجابت لولع المرأة السعودية بالمجوهرات، فطرّزت بعضها بالأحجار الكريمة والنصف الكريمة. ممَّ استوحت المصممة طلاّت نسائها؟ "أنا ابنة مجتمع يستحيل ان يعلمني شيئاً عن مهنة الأزياء لكنني استوحيت الكثير من لوحات أو مخطوطات أو سجادات رأيتها". وهكذا خرجت ابنة الخُبر الى عالم جديد على نساء بيئتها. فوزية النافع التي وقفت مرات عدة أمام أكثر من كاميرا تلفزيونية فضائية وأرضية، قبل بدء العرض وبعده، "ترافعت" عن خيارها هذا بأناقة وبراعة وابتسامة لم تفارق وجهها الأسمر لحظة. بل كانت ملامحها تختلج بفرح عميق وهي تحكي عن فساتينها، أو تصفها بحركات يديها كأنها ترسمها من جديد، وتضخّ فيها "احساس امرأة"! وتشرح المصممة السعودية اختيارها لهذا العنوان بالقول: "المرأة رائعة باحساسها وأخلاقها والانسان لا يطلع عن بيئته". لكن فوزية الآتية بشوق الى بيروت "أم الموضة في العالم العربي" كما سمّتها، إطلعت مرات على الجميل المألوف في أزيائها، فصنعت تناقضات حلوة في أقمشتها وقصّاتها، وجعلت عرائسها يتعثّرن غير مرّة بذيل فساتينهن التي عانقت أرض البوديوم بفرح استثنائي. وغابت الطرحة التقليدية عن أحد الفساتين، لتحضر الكشاكش برومانسيةشرقية خاصة. وكانت الخيوط الذهبية تتسلل بأناقة الى مساحات من الفستان الأبيض. وكان التول يسافر مسافات خلفه في سحابة شفافة صيفية. ولعلّ أبرز ما يميّز لمسات فوزية اهتماماً خاصاً بالمشاعر التي ألبستها للعارضات مع الفساتين، ونظرة مختلفة الى البنطلون واستعمالاته الأنيقة والرصينة في آن، ومخاطبتها نساء مجتمعها في الكثير من خطوط أزيائها، ربما لاقتناعها العميق بما لم تكف عن تكراره: "المرأتان السعودية والخليجية ذوّاقتان جداً فهما تسافران كثيراً وتعرفان ما الذي يليق بهما". فوزية أكدت ان أوروبا "لا تهزّها" كمركز للموضة العالمية لأن "المصمم الممتاز قادر ان يصل الى أي مكان مهما كان بعيداً... لذلك اخترت ان ألبّي طلبات زبوناتي من العالم العربي على التحضير لعرض جديد في باريس أو روما". وهي اختارت بيروت لعرضها الأخير لأنها "حنونة عليّ وأعطتني من اهتمامها وخبرة ناسها. فأنا هنا أرى إبداعات غيري وأتعلّم منها". "إحساس امرأة" ذواقة، سيطر على عرض أزياء المصممة السعودية فوزية النافع، التي رسمت حتى اكسسوارات العارضات وأحذيتهنّ بشفافية استثنائية. فيما تولّى المزيّن اللبناني لطفي برباري إخراج نسائها متوّجات بالبساطة الى منصة العرض: "التسريحات نُفّذت في دقائق، استوحيت بعضاً من خطوط الموضة العالمية لكنني وضعت لمسات شرقية جداً في كل خصلة...".